للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتنعم الأمة في زمانه نعمة لم ينعموا مثلها، ويلقي الإسلام بجرانه إلى الأرض؛ أي يستقر قراره فلا تكون فتنة ولا هيج، وتجري أحكام الإسلام على العدل والاستقامة، وليس هو الذي يسمى نفسه بالمهدي، وإنما يسميه الناس بذلك إذا رأوا أعماله الصالحة، وعمله بالسنة، ونشره للقسط والعدل، وإزالته للجور والظلم.

وأما قوله: كما أن بني أمية لما سمعوا بهذا الأحاديث الموجهة لهم من العراق والتي ترجف بهم وتهددهم بالإيقاع، لهذا تنبه بنو أمية فأقاموا السفياني مقام المهدي وعمل أنصارهم عملهم في وضع الحديث عن رسول الله في السفياني، من ذلك ما روى الحاكم في صحيحه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يخرج رجل يقال له السفياني من دمشق، وعامة من يتبعه من كلب، فيقتل حتى يبقر بطون النساء ويقتل الصبيان» وذكر بقية الحديث، ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ثم ساق حديثًا ثانيًا في السفياني بلفظ الحديث الأول ومعناه، فتصحيح الحاكم لأحاديث السفياني هي بمثابة تصحيحه وتصحيح الترمذي لأحاديث المهدي على حد سواء، وفي الحقيقة أنها كلها غير صحيحة ولا متواترة.

فجوابه: من وجوه:

أحدها: أن يقال: قد تقدم عن ابن محمود أنه قال إن فكرة المهدي لم يقع لها ذكر بين الصحابة في القرن الأول ولا بين التابعين، وأن أصل من تبني هذه الفكرة والعقيدة هم الشيعة، الذين من عقائدهم الإيمان بالإمام الغائب المنتظر وهو الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري. فعلى قول ابن محمود يكون ابتداء الفكرة في المهدي في أواخر القرن الثالث من الهجرة، بعدما ولد محمد بن الحسن العسكري وبعدما دخل السرداب على حد زعم الرافضة فيه. ثم إن ابن محمود أتى بما يناقض ما قرره أولا؛ فزعم أن بني أمية لما سمعوا الأحاديث في المهدي أقاموا السفياني مقام المهدي، وعمل أنصارهم عملهم في وضع الحديث في السفياني، ومن المعلوم أن بني أمية كانوا في أثناء القرن الأول وآخره وأول القرن الثاني، وكان الصحابة كثيرين جدًا في أول زمان بني أمية، وأما التابعون فكانوا متوافرين في زمان بني أمية، فإذا لم يكن للفكرة في المهدي ذكر بين الصحابة ولا بين التابعين، وكان ابتداؤها في أواخر القرن الثالث حين ولد محمد بن الحسن العسكري، فكيف يقال إن بني أمية تنبهوا حين سمعوا الأحاديث في المهدي، وأقاموا السفياني مقام

<<  <   >  >>