سبيله سبيل الإيمان بما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من الغيوب الماضية قبل زمانه، والغيوب الآتية بعد زمانه إلى قيام الساعة، وما يكون بعد ذلك، إلى أن يدخل أهل الجنة منازلهم، وأهل النار منازلهم، وما يكون بعد ذلك، فمن زعم أن الإيمان بخروج المهدي من التعصب طولب بالفرق بينه وبين غيره من أنباء الغيب، ولن يجد إلى الفرق الصحيح سبيلا البتة، اللهم إلا أن يكون بالمجازفة والمكابرة في رد الأحاديث الثابتة في المهدي فهذا واقع.
الوجه الثاني: أن يقال: إن التعصب في الحقيقة هو التعصب لآراء العصريين الذين أنكروا خروج المهدي في آخر الزمان، وأنكروا الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك، فهذا من أقبح التعصب، وأما الإيمان بما جاء في الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فليس من التعصب، وإنما هو من تحقيق الشهادة بالرسالة.
الوجه الثالث: أن يقال: إن المهدي سيخرج في آخر الزمان قطعًا كما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك في عدة أحاديث صحيحة، وليس أحد من الخلق يعلم شيئًا عن طول الزمان الذي يكون قبل خروج المهدي، قال الله -تعالى-: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}.
وأما صلاة عيسى ابن مريم خلف المهدي فقد ثبت ذلك في حديث جابر -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:«ينزل عيسى ابن مريم، فيقول أميرهم المهدي: تعال صل بنا، فيقول: لا، إن بعضهم أمير بعض، تكرمة الله لهذه الأمة» رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده؛ حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم، حدثنا إبراهيم بن عقيل، عن أبيه، عن وهب بن منبه، عن جابر -رضي الله عنه-، قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- في كتابه "المنار المنيف": "وهذا إسناد جيد"، وقد رواه الإمام أحمد ومسلم من حديث أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:«لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى ابن مريم - صلى الله عليه وسلم -، فيقول أميرهم: تعال صلِّ بنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء، تكرمة الله -عز وجل- هذه الأمة» فهذه الرواية الصحيحة تشهد لرواية الحارث بن أبي أسامة، ويشهد له أيضًا ما رواه ابن ماجة، وابن خزيمة، والحافظ الضياء المقدسي، من حديث أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- وهو حديث طويل فيه ذكر خروج الدجال ونزول عيسى -عليه الصلاة والسلام- وفيه: فقالت أم شريك بنت أبي العكر: