فجوابه: أن يقال: قد تقدم إيراد حديث علي -رضي الله عنه- بأسانيده الصحيحة قريبًا وفي أول الكتاب فلتراجع (١)، ومن شك في صحة حديث علي -رضي الله عنه- فذلك دليل على بعده عن معرفة الحديث، وأنه لا فرق عنده بين الصحيح منه والضعيف، وقد ذكرت قريبًا أن في حديث علي -رضي الله عنه- ما يقوم مقام التصريح باسم المهدي، وأنه قد جاء التصريح باسمه في عدة أحاديث تقدم ذكرها في أول الكتاب.
وقال ابن محمود في صفحة (٤٣) وصفحة (٤٤): "الحديث الثالث: روى أبو داود في سننه، عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المهدي مِنِّي، أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورًا، يمكث في الأرض سبع سنين». ثم أجاب ابن محمود بقوله: إن هذا بمعنى الحديث الأول، ما عدا الأوصاف من كونه أجلى الجبهة أقنى الأنف، وهذه الأوصاف موجودة في كثير من الناس وخاصة الأشراف، فلا تفيد بالمهدي علمًا ولا يقينًا، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - منزه عن أن يحيل أمته على هذه الأوصاف الموجودة في أكثر بني آدم، ولا يأتي من اتصف بها بكتاب من ربه يصدق قوله، ولا بدين جديد يكمل به دين محمد رسول الله، وليس بملك مقرب ولا نبي مرسل، وقد صارت دعوى المهدي والاتصاف بالأوصاف المذكورة مركبا للكذابين الدجالين، فكل واحد منهم يحاول أن يكون هو، فيقع الناس في مشكلة لم تحل وفتنة لا تنتهي، يتوارثها جيل بعد جيل حتى تقوم الساعة، وحاشا أن يأتي بها رسول الله لأمته".
والجواب عما يتعلق بالحديث من وجهين؛ أحدهما: أن يقال: إن ابن محمود قد حرَّف في لفظ الحديث؛ فأسقط منه كلمتين، وغير كلمة، وزاد كلمتين من عنده، ولفظه عند أبي داود، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «المهدي مني أجلي الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطًا وعدلا كما ملئت جورًا وظلمًا يملك سبع سنين».
الوجه الثاني: أن يقال: قد ذكر ابن القيم -رحمه الله تعالى- هذا الحديث في كتابه "المنار المنيف" وقال: "إسناده جيد"، وقد رواه الإمام أحمد بنحو رواية أبي داود وإسناده صحيح على شرط مسلم، ورواه أيضًا بلفظ آخر وإسناده صحيح على شرط الشيخين، ورواه ابن حبان في صحيحه، والحاكم في مستدركه، وقال: "صحيح على ..........