ذكره في مواضع كثيرة من كتابه - فهو محال؛ لأن الله -تعالى- قد ختم الأنبياء بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وأكمل الدين له ولأمته، وأما تجديد الدين بعد اندراسه وبسط العدل وإزالة الجور والظلم فهذا لا غنى للمسلمين عنه، ومن زعم أنه في غنى وسعة عن ذلك فلا شك أنه لا يعقل ما يقول.
وقال ابن محمود في صفحة (٣٤): "حادي عشر: إن العلماء؛ كأبي داود في سننه، وابن كثير في نهايته، والسفاريني في لوامع أنواره، وغيرهم قد أدخلوا أحاديث المهدي في جملة أشراط الساعة، مع أحاديث الدجال، والدابة، ويأجوج ومأجوج، وأحاديث الفتن، فكل هذه لا يتعرض لها نقاد الحديث بتصحيح ولا تمحيص؛ لعلمهم أنها أحاديث مبنية على التساهل، ويدخل فيها الكذب والزيادات والمدرجات والتحريفات، وليست بالشيء الواقع في زمانهم، ولا من أحاديث أحكامهم وأمور حلالهم وحرامهم".
والجواب عن هذا من وجوه؛ أحدها: أن يقال: من مجازفات ابن محمود زعمه أن أحاديث الفتن وأشراط الساعة مبنية على التساهل، وهذا مردود بأن في الصحيحين أحاديث كثيرة جدًا من أحاديث الفتن وأشراط الساعة، ومن المعلوم أن البخاري ومسلمًا لم يكونا متساهلين في التصحيح والتمحيص وإدخال الزيادات والمدرجات والتحريفات في كتابيهما، فضلا عن الأحاديث التي يشوبها الكذب.
قال النووي في شرح مسلم:"اتفق العلماء -رحمهم الله- على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان؛ البخاري، ومسلم، وتلقتهما الأمة بالقبول"، ونقل النووي عن أبي عمرو بن الصلاح أنه قال:"جميع ما حكم مسلم بصحته فهو مقطوع بصحته، والعلم النظري حاصل بصحته في نفس الأمر. وهكذا ما حكم البخاري بصحته في كتابه؛ وذلك لأن الأمة تلقت ذلك بالقبول، سوى من لا يعتد بخلافه ووفاقه في الإجماع"، ونقل النووي أيضًا عن إمام الحرمين أنه قال:"لو حلف إنسان بطلاق امرأته، أن ما في كتابي البخاري ومسلم مما حكما بصحته، من قول النبي - صلى الله عليه وسلم -، لما ألزمته الطلاق ولا حنثته؛ لإجماع علماء المسلمين على صحتهما". انتهى.
وقال ابن كثير في "البداية والنهاية" في ترجمة البخاري: "كتابه الصحيح يستسقى بقراءته الغمام، وأجمع العلماء على قبوله وصحة ما فيه، وكذلك سائر أهل الإسلام". انتهى.