يا رسول الله، فأين العرب يومئذ؟ قال:«هم يومئذ قليل، وجلهم ببيت المقدس، وإمامهم رجل صالح، فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم الصبح، فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقرى؛ ليتقدم عيسى يصلي بالناس، فيضع عيسى يده بين كتفيه، ثم يقول له: تقدم فصلِّ فإنها لك أقيمت، فيصلي بهم إمامهم» الحديث، وفيه النص على أن إمام المسلمين عند نزول عيسى -عليه الصلاة والسلام- رجل صالح، والمهدي إنما سمي مهديًا لصلاحه، ولأنه يملأ الأرض قسطًا وعدلا كما ملئت قبله جورًا وظلمًا.
وأما قول ابن محمود في حديث صلاة عيسى خلف المهدي: قال الذهبي وعلى القاري أنه موضوع أي مكذوب، فسقط الاحتجاج به.
فجوابه: أن أقول: أما الذهبي فما رأيت له كلامًا في حديث صلاة عيسى خلف المهدي، والظاهر أن ابن محمود قد قال عليه ما لم يقل بدليل ما سيأتي فيما نقله عن علي القاري، فإن كان ابن محمود صادقًا فيما نقله عن الذهبي فليذكر الكتاب الذي وجد فيه ذلك، وليذكر موضعه من الكتاب؛ حتى يبرأ من عهدة النقل، وحتى يراجع كلام الذهبي من أراد الاطلاع عليه.
وأما علي القاري فقد صرح في كتابه "الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة" بخلاف ما نسبه إليه ابن محمود، وهذا نص كلامه في صفحة (٤٥٩) من النسخة التي حققها محمد الصباغ، والتي طبعت في بيروت سنة ١٣٩١هـ من الهجرة، بعد أن ذكر فضائل بيت المقدس قال:"وكذا ثبت أن المهدي مع المؤمنين، يتحصنون به من الدجال، وأن عيسى -عليه السلام- ينزل من منارة مسجد الشام، فيأتي فيقتل الدجال، ويدخل المسجد وقد أقيمت الصلاة، فيقول المهدي: تقدم يا روح الله، فيقول: إنما هذه الصلاة أقيمت لك، فيتقدم المهدي ويقتدي به عيسى -عليه السلام- إشعارًا بأنه من جملة الأمة، ثم يصلي عيسى -عليه السلام- في سائر الأيام". انتهى كلام القاري.
وقد وقع في كلامه تقديم قتل عيسى للدجال على صلاته مع المهدي، وهذا مخالف لما جاء في حديثي جابر وأبي أمامة الباهلي -رضي الله عنهما-؛ أن عيسى يصلي مع المسلمين صلاة الصبح ثم يخرج إلى الدجال فيقتله، وهما حديثان صحيحان، وقد ذكرتهما وذكرت من خرجهما في الجزء الثاني من "إتحاف الجماعة" في "باب ما جاء في فتنة الدجال"، فليراجعهما من أحب الوقوف عليهما.