في الكلام على قول ابن محمود في صفحة (٤): "وفي الحقيقة أنها كلها غير صحيحة ولا متواترة" فليراجع (١).
الوجه السابع: أن يقال: إن تنزيه ساحة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسنته عن الإتيان بمثل أحاديث المهدي لا يقوله عاقل؛ لأن تنزيه ساحة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسنته إنما يكون عما فيه عيب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو ما يقتضي الغض منه أو من سنته، أو التنقص له أو لسنته، أو الاستهزاء به أو بسنته، وليس في أحاديث المهدي شيء من ذلك البتة، وإنما فيها الأخبار عن إمام صالح من أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، يخرج في آخر الزمان فيملأ الأرض قسطًا وعدلا كما ملئت قبله جورا وظلمًا، فهل يقول عاقل إن البشارة بخروج الإمام الذي يكون بهذه الصفة مما تنزه عنه ساحة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسنته؟! كلا لا يقول ذلك عاقل أبدًا، وإنما يقوله من هو مصاب في دينه وعقله.
ومن قال بهذا القول الباطل فلا يبعد منه أن يقول بتنزيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنته عن كل ما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يكون في آخر الزمان؛ مثل خروج الدجال، ونزول عيسى ابن مريم، وخروج يأجوج ومأجوج، وخروج الدابة، والدخان، وطلوع الشمس من مغربها، ووقوع الخسوفات الثلاثة في المشرق والمغرب وجزيرة العرب، وخروج النار التي تطرد الناس إلى محشرهم، وكذلك انحسار الفرات عن كنز من ذهب أو جبل من ذهب، وكذلك خروج القحطاني والجهجاه والخليفة الذي يحثو المال حثوًا ولا يعده عدًا. فهذه الأمور لم يقع منها شيء إلى الآن وستقع في آخر الزمان قطعًا لثبوت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وإذا علم هذا، فنقول للذي نزه النبي - صلى الله عليه وسلم - وسنته عن الإتيان بأحاديث المهدي: هل تقول بتنزيه النبي - صلى الله عليه وسلم - وسنته عن جميع الأمور التي تقدم ذكرها، أم تخص التنزيه بأحاديث المهدي؟ فإن قال بالأول فقد شاقق الرسول - صلى الله عليه وسلم - واتبع غير سبيل المؤمنين شاء أم أبى، ولا يظن بأحد من المسلمين أنه يقول بذلك، وإن خصَّ أحاديث المهدي بالتنزيه طولب بالفرق بينها وبين غيرها من الأمور التي تقدم ذكرها، ولن يجد إلى الفرق الصحيح سبيلا البتة، اللهم إلا أن يكون بالمكابرة والمجازفة فهذا واقع.
وأما قول ابن محمود: إذ الشبهة فيها يقينية والكذب فيها ظاهر جلي.