والمحدثين إلا وقد نبهوا عليه، فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء؛ فلقد تركوا الأمر واضحًا جليًا لمن أراد الله هدايته، ومن أراد الله فتنته وشقاءه فلا حيلة في الأقدار.
الوجه الخامس: أن يقال: إن ابن محمود قد وقع فيما هو أسوأ مما عاب به العلماء المحدثين والفقهاء المتقدمين وسائر علماء كل عصر، وذلك لأنه قد نقل في رسالته من كتب العصريين، وأكثر النقل عنهم، واعتمد على أقوالهم الباطلة في رد أحاديث المهدي وتكذيبها, وبعض العصريين يقلد بعضًا في رد أحاديث المهدي، كما لا يخفى على من نظر في كتبهم، وقد نقل ابن محمود أقوالهم على علاتها، فوقع في العيب الذي عاب به المحدثين والفقهاء وسائر العلماء، وحكم على نفسه بأنه من المقلدة وليس من المحققين المجتهدين، وهذا الحكم لازم له من كلامه الذي تقدم ذكره شاء أم أبى، وسأذكر نقوله عن العصريين وأتبعها بالرد -إن شاء الله تعالى-، وقد قال الشاعر وأحسن فيما قال:
يا أيها الرجل المُعلِّم غيره ... هلَّا لنفسك كان ذا التعليم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها ... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يقبل ما تقول ويقتدى ... بالقول منك وينفع التعليم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم
ثم إنه يظهر من كلام ابن محمود مع نقله عن العصريين واعتماده على أقوالهم، أنه يرى أنهم هم القليل المحققون المجتهدون المعدودون عنده من أهل العلم؛ لكونهم قابلوا أحاديث المهدي بالرد والإطراح، وأما من سواهم من العلماء من المتقدمين والمتأخرين فكلهم عنده من المقلدين؛ لأنهم قابلوا ما صح من أحاديث المهدي بالقبول والتسليم، ولا شك أن هذا من انقلاب الحقائق عند ابن محمود.
وقال ابن محمود في صفحة (٨): "وقد عقدت في الرسالة فصلا عنوانه "التحقيق المعتبر عن أحاديث المهدي المنتظر" شرحتُ فيه سائر الأحاديث التي رواها أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، والإمام أحمد، والحاكم، بما لا مزيد عليه فليراجع، وبينت في الرسالة أن أحاديث المهدي ليست بصحيحة ولا صريحة ولا متواترة بالمعنى".