الوجه الثاني: أن يقال: إن الرجل الذي يبايع له بين الركن والمقام لا يأتي من الشام، وإنما يخرج من المدينة هاربًا إلى مكة، فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام، وليس عبد الملك بن مروان من أهل المدينة، وإنما هو من أهل الشام، فلا ينطبق عليه حديث أم سلمة -رضي الله عنها-.
يوضح ذلك الوجه الثالث؛ وهو أن الرجل القرشي الذي جاء ذكره في حديث أم سلمة -رضي الله عنها- ليس هو من بني أمية، وإنما هو من بني هاشم، وقد جاء ذلك صريحًا في رواية عند الطبراني في الأوسط قال الهيثمي:"ورجاله رجال الصحيح".
الوجه الرابع: أن يقال: إن الرجل الذي جاء ذكره في حديث أم سلمة -رضي الله عنها- هو الذي يباشر البيعة بنفسه، وأما عبد الملك بن مروان فإنما أخذ البيعة له نائبه الحجاج بن يوسف، وكان عبد الملك يومئذ في الشام.
وأما قوله: وليس من شأن الرسول ولا من شأن عالم الغيب أن يخبر أمته بكل حادثة تحدث من بعد موته إلى يوم القيامة.
فجوابه من وجهين؛ أحدهما: أن يقال: لا يخفى ما في كلام ابن محمود من الخليط، ولا أدري ماذا أراد بقوله: ولا من شأن عالم الغيب ... إلى آخر كلامه، فإن كان أراد به الله -تعالى-، قيل له: إن الله حي لا يموت وليست له أمة، وإنما الأمم للرسل، والله رب الجميع. وإن كان أراد به الرسول - صلى الله عليه وسلم - قيل له: إن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يوصف بأنه عالم الغيب؛ لأن هذه الصفة من خصائص الرب -تبارك وتعالى- قال الله -تعالى-: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ}، وقال -تعالى-: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} الآية، وقال -تعالى-: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}. والآيات في هذا المعنى كثيرة جدًا.
والحاصل أن كلام ابن محمود باطل على الاحتمالين، وهو من مجازفاته التي قالها ارتجالا من غير تثبت ولا تعقل.
الوجه الثاني: أن يقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد أخبر أمته بما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة، وبما يكون بعد ذلك، حتى يدخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم، وما يكون بعد ذلك أيضًا، وذلك مما أظهره الله عليه من أمور الغيب، وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة ذكرتها في أول كتابي "إتحاف الجماعة بما جاء في .......................................