المهدي، وعمل أنصارهم عملهم في وضع الحديث في السفياني؟! هذا تناقض وتخليط صدران عن المجازفة وعدم التثبت في الكلام.
الوجه الثاني: أن يقال: إن كلام ابن محمود ينقض بعضه بعضًا؛ لأنه ذكر أولا عن ابن سبأ وشيعته أنهم صاغوا الأحاديث ووضعوها في المهدي، ثم ذكر ثانيًا أن بني أمية سمعوا بتلك الأحاديث موجهة لهم من العراق، فإن كانت أحاديث المهدي موجهة من العراق كما جزم به ابن محمود في هذا الموضع، فليس من وضع ابن سبأ وشيعته؛ لأن ابن سبأ قد نفي إلى مصر، فاستقر فيها وجعل يبث شره في الناس. ذكر ذلك ابن جرير وغيره. وإن كان ابن سبأ هو الذي وضع أحاديث المهدي كما جزم به ابن محمود فيما تقدم من كلامه (١)، فإنها تكون موجهة من مصر لا من العراق. وهذا التناقض يدل على بطلان قول ابن محمود في أحاديث المهدي حيث زعم أنها موضوعة.
الوجه الثالث: أن يقال: إن الحديث الذي رواه الحاكم في مستدركه في ذكر السفياني والمهدي رواته كلهم ثقات، فإنه رواه عن أبي محمد أحمد بن عبد الله المزني، حدثنا زكريا بن يحيى الساجي، حدثنا محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يخرج رجل يقال له السفياني في عمق دمشق، وعامة من يتبعه من كلب، فيقتل حتى يبقر بطون النساء ويقتل الصبيان، فتجمع لهم قيس فيقتلها، حتى لا يمنع ذنب تلعة، ويخرج رجل من أهل بيتي في الحرة، فيبلغ السفياني فيبعث إليه جندًا من جنده فيهزمهم، فيصير إليه السفياني بمن معه، حتى إذا صار ببيداء من الأرض خسف بهم، فلا ينجو منهم إلا المخبر عنهم».
قلت: أما محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة ومن فوقه فكلهم من رجال الصحيح، فلا حاجة إلى الكلام فيهم سوى الوليد بن مسلم؛ الإمام الحافظ، فقد قال الذهبي في "تذكرة الحفاظ": "لا نزاع في حفظه وعلمه، وإنما الرجل مدلس، فلا يحتج به إلا إذا صرح بالسماع".