فليراجع (١)، وحقق في صفحة (٣٢) أن الجن سخروا لداود، إلى غير ذلك من تحقيقات ابن محمود التي حصلت له بعد توسعه في العلوم والفنون، وهي تحقيقات تضحك منها الثكلى، ويستحي العاقل من ذكرها لولا أن الضرورة ألجأت إلى ذكرها للتنبيه عليها.
وإذا كان ابن محمود قد تخبط في تحقيقه لما هو مذكور في القرآن وفي الأحاديث الصحيحة، مع توافر المصاحف وكتب الحديث في هذا الزمان، ولم يكن التحقيق مع ذلك سهلا عليه، فلا شك أن كلامه في أحاديث المهدي أبعد عن التحقيق وأقرب إلى التخليط، وسيأتي بيان ذلك مع الكلام على ما زعم أنه تحقيق معتبر لأحاديث المهدي -إن شاء الله تعالى-.
وأما ابن خلدون فتحقيقه لأكثر الأحاديث الثابتة في المهدي حاصله الرد والإطراح لها، وهذا ليس بتحقيق، وإنما هو معارضة لأقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - واستهانة بها.
وقال ابن محمود في صفحة (٣٥) وصفحة (٣٦): "وقد رأينا من يؤيد قول ابن خلدون من العلماء المتقدمين، والراقين في العلم والمعرفة والاعتصام بالكتاب والسنة؛ ومنهم العلامة ابن القيم؛ فقد ذكر في كتابه "المنار المنيف" عن أحاديث المهدي وضعفها، ومنهم الإمام الشاطبي في كتابه "الاعتصام"؛ فقد جعل المهديين والإمامية من أهل البدع، ويعني بالمهديين الذين يصدقون بخروج المهدي، ودونك كلامه بلفظه إثباتًا للحجة والعذر، وإزالة للشبهة والعذل، قال بعد كلام له سبق في المتبعين لأهل الأهواء والبدع: "وكذلك من اتبع المهدي المغربي المنسوب إليه كثير من بدع المغرب، فهو في الإثم والتسمية مع من اتبع، إذا انتصب ناصرًا لها ومحتجًا عليها"، وقال: "ولقد زل بسبب الإعراض عن الدليل والاعتماد على الرجال أقوام، خرجوا بسبب ذلك عن جادة الصحابة والتابعين، واتبعوا أهواءهم بغير علم، فضلوا عن سواء السبيل"، وقال: "مذهب الفرقة المهدوية التي جعلت أفعال مهديهم حجة وافقت حكم الشريعة أو خالفت، بل جعلوا أكثر ذلك أنفحة في عقد إيمانهم، من خالفها كفَّروه وجعلوا حكمه حكم الكافر الأصلي". وبذلك تنقطع حجة من ادعى أنه لم يسبق الإمام ابن خلدون أحد من العلماء في تضعيف أحاديث المهدي".