فجوابه: أن يقال: لا صحة لما ذكره ابن محمود ههنا؛ فليس في مستدرك الحاكم حديث آخر في السفياني بلفظ حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- ومعناه، وإنما فيه أثر موقوف على علي -رضي الله عنه- ولفظه قال:«يظهر السفياني على الشام، ثم يكون بينهم وقعة بقر قيسيًا، حتى تشبع طير السماء وسباع الأرض من جيفهم، ثم ينفتق عليهم فتق من خلفهم، فتقبل طائفة منهم حتى يدخلوا أرض خراسان، وتقبل خيل السفياني في طلب أهل خراسان، ويقتلون شيعة آهل محمد - صلى الله عليه وسلم - بالكوفة، ثم يخرج أهل خراسان في طلب المهدي» لم يتكلم عليه الحاكم، وقال الذهبي في تلخيصه:"قلت خبر واهٍ". انتهى.
وهذا الأثر مع ضعفه الشديد لا يتفق مع حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- لا في اللفظ ولا في المعنى، ثم إن السفياني الذي جاء ذكره في حديث أبي هريرة، وأنه يخرج في آخر الزمان عند خروج المهدي، لا يلزم أن يكون من بني أمية ومن ذرية أبي سفيان؛ لأنه لم يأت في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- تصريح بذلك، بل قد يكون من غيرهم، وتكون نسبته موافقة لنسبتهم، وإذ لم يثبت أن السفياني من بني أمية فمن أكبر الخطأ بهت بني أمية بأنهم أقاموا السفياني مقام المهدي، وبهت أنصارهم بأنهم وضعوا الحديث على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفياني، وقد قال الله -تعالى-: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}.
وأما قوله: فتصحيح الحاكم لأحاديث السفياني هي بمثابة تصحيحه وتصحيح الترمذي لأحاديث المهدي على حد سواء.
فجوابه من وجهين:
أحدهما: أن يقال: ظاهر كلام ابن محمود يقتضي أن يكون الحاكم قد روي في السفياني عدة أحاديث وصححها، وهذا غلط؛ لأن الحاكم لم يرو في السفياني سوى حديث واحد عن أبي هريرة -رضي الله عنه- وقد تقدم ذكره، وأنه حديث صحيح، وروى أيضًا أثرًا عن علي -رضي الله عنه- ولم يصححه ووهَّاه الذهبي، وقد تقدم ذكره قريبًا. فإن كان ابن محمود قد وقف على عدة أحاديث في السفياني رواها الحاكم في مستدركه وصححها فليفدنا بذلك، وليذكر مواضعها في المستدرك، وإن لم يجد سوى حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- فالأولى له لزوم الورع وترك المجازفة.