للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإذا علم أن ابن سبأ كان في زمان عثمان -رضي الله عنه-، وأن محمد بن الحسن العسكري كان بعد زمان ابن سبأ بمدة طويلة تزيد على مائتي سنة، فهل يعقل والحالة هذه أن تكون فكرة الشيعة في محمد بن الحسن العسكري سرت بطريق المجالسة والاختلاط إلى أهل السنة، ثم انتقلت إلى المجتمع الإسلامي حين نادى بها عبد الله بن سبأ؟! فكيف تنتقل الفكرة المتأخرة إلى الزمان الذي مضى قبلها بأكثر من مائتي سنة، وكيف ينادي عبد الله بن سبأ بفكرة كان ابتداؤها بعده بأكثر من مائتي سنة، هذا تصور لا يقوله عاقل.

وأما قوله: إن ابن سبأ أخذ هو وشيعته يعملون عملهم في صياغة الأحاديث، ووضعها على لسان رسول بأسانيد منظمة عن أهل القبور، وأخذوا في نشرها في مجتمع الناس.

فجوابه من وجوه؛ أحدها: أن أقول: إني لم أر أحدًا من المحدثين ولا من أهل التاريخ والسير نقل عن ابن سبأ أنه تكلم في المهدي بشيء، فضلا عن صياغة الأحاديث في ذلك ووضعها على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونشرها في مجتمع الناس، ولو وقع شيء من ذلك لنقله أهل العلم بالرجال، وذكروه في كتب الموضوعات، كما فعلوا ذلك في أحاديث الوضاعين؛ فإنهم قد نبهوا عليها وذكروا مع كل حديث موضوع اسم الرجل الذي وضعه، فإن كان ابن محمود قد اطلع على شيء من الأحاديث التي زعم أن ابن سبأ قد وضعها في ذكر المهدي فليفدنا بذلك، وليذكر الكتاب الذي يوجد فيه تلك الأحاديث التي يكون ابن سبأ أحد رجال الأسانيد فيها، فأما التحايل على رد الأحاديث الثابتة وإبطالها بمجرد الدعوى التي لا دليل عليها، ولم تنقل عن أحد من علماء الجرح والتعديل، فلا يليق ذلك بمن له أدنى عقل وعلم ودين.

الوجه الثاني: أن يقال: إن الأحاديث الثابتة في خروج المهدي كانت من رواية الثقات عن الثقات، من لدن الصحابة الذين رووها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الأئمة المخرجين لها في كتبهم، ولم يكن لعبد الله بن سبأ ولا لأحد من شيعته علاقة بشيء من تلك الأسانيد الثابتة، وليس في رواتها أحد من المغفلين الذين يقبلون التلقين حتى يتهيأ للناقد الطعن فيها، وإذا فما زعمه ابن محمود ههنا فهو تمويه وتلبيس على الأغبياء، ولا أساس له من الصحة.

<<  <   >  >>