الوجه الرابع: أن يقال: وما هذا التهالك في رد الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المهدي، ووصفها بالصفات الذميمة التي لا تليق بها ولا تنطبق على شيء منها؟! أما يخشى من فعل ذلك أن يعاقبه الله بتقليب القلب وزيغه؛ لأن الله -تعالى- يقول:{وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}، ويقول -تعالى-: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}؟!!
قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- في "بدائع الفوائد": "حذار حذار من أمرين لهما عواقب سوء؛ أحدهما رد الحق لمخالفه هواك، فإنك تعاقب بتقليب القلب، ورد ما يَرِد عليك من الحق رأسًا ولا تتقبله إلا إذا برز في قالب هواك، قال -تعالى-: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} فعاقبهم على رد الحق أول مرة بأن قلب أفئدتهم وأبصارهم بعد ذلك. والثاني التهاون بالأمر إذا حضر وقته، فإنك إن تهاونت به ثبطك الله وأقعدك عن مراضيه وأوامره عقوبة لك، قال -تعالى-: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ}. فمن سلم من هاتين الآفتين والبليتين العظيمتين فلتهنه السلامة". انتهى.
الوجه الخامس: أن يقال: إن النفوس قد جبلت على حب الأئمة المقسطين العادلين ولو كانوا في غير زمانهم، فلا تجد مؤمنًا إلا وهو يحب أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعليًا، وعمر بن عبد العزيز، ويحب كل من سار على منهاج هؤلاء الخلفاء الراشدين من أئمة المسلمين وملوكهم، وإذا أحب المسلمون المهدي الذي نوَّه النبي - صلى الله عليه وسلم - بذكره، وأخبر أنه يملأ الأرض قسطًا وعدلا، وأنه يعمل بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلا لوم عليهم؛ لأن هذا من الحب في الله -تعالى- وليس من الحب للأهواء والأغراض الدنيوية، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إن أوثق عرى الإيمان أن تحب في الله وتبغض في الله». رواه الإمام أحمد وغيره، من حديث البراء بن عازب -رضي الله عنهما-، وروي نحوه عن عشرة من الصحابة -رضي الله عنهم-، وقد ذكرت أحاديثهم في "تحفة الإخوان بما جاء في الموالاة والمعاداة والحب والبغض والهجران" فلتراجع هناك.
الوجه السادس: أن يقال: إن الإيمان بخروج المهدي في آخر الزمان داخل في ضمن الإيمان بأن محمدًا رسول الله، فكل ما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سيقع في آخر الزمان أو بعد قيام الساعة فإنه يجب الإيمان به؛ تصديقًا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - وإيمانًا بخبره، قال الله -تعالى-: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}.