وأما قوله: ويعني بالمهدية الذين يعتقدون صحة خروج المهدي.
فجوابه: أن يقال: هذا من نمط ما قبله من القول على الشاطبي بما لم يقل، وقد ذكرت عن الشاطبي أنه ندَّد بالمغربي المدعي أنه المهدي، وذكر عنه أنه زعم أنه المبشر به في الأحاديث، فقد ذكر الشاطبي في هذه الجملة المهدي المبشر به في الأحاديث ولم ينكره، وإنما أنكر زعم المغربي أنه هو، وفي هذا رد لما تقوله ابن محمود على الشاطبي، وسيأتي مزيد لهذا عند ذكر ما نقله ابن محمود عن الشاطبي في صفحة (٣٥) متوهمًا أنه يؤيد قوله الباطل، وليس فيه ما يؤيده.
وأما قوله: وكذلك ابن خلدون، فقد فحص أحاديث المهدي وبين بطلان ما يزعمونه صحيحًا منها، فسامها كلها بالضعف وعدم الصحة، وإن من رواتها من يتهم بالتشيع، ومنهم الحروري، ومنهم من يعتقد رفع السيف على أهل القبلة، ومنهم من يتهم بالكذب، ومنهم من يتهم بسوء الحفظ، ومنهم من يتهم برفع الحديث إلى رسول الله بدون أن يتكلم به الرسول، مع ما فيها من التعارض والاضطراب والاختلاف، ثم قال: والحق الذي ينبغي أن يتقرر، أن ما تدعيه العامة والأغمار من الدهماء، ممن لا يرجع في رأيه إلى اعتقاد صحيح، ولا إلى علم صريح يفيده، فيجيبون في ذلك على غير نسبة، وفي غير مكان، تقليدًا لما اشتهر من ظهور الفاطمي، ولا يعلمون حقيقة الأمر، وإنما يقولون تقليدًا، فقد ظهرت حركات كثيرة كلها تدعي أنها المهدي، ثم ظهر ناس بهذه الدعوة ينتحلون السنة، وليسوا عليها إلا الأقل".
والجواب عن هذا من وجوه؛ أحدها: أن يقال: إن ابن محمود لم ينقل كلام ابن خلدون على ما هو عليه في مقدمته، وإنما لخَّص منه قليلا، وغير أسلوبه، وزاد فيما نقله منه ونقص، ومن طالع مقدمة ابن خلدون لم يخف عليه ذلك.
الوجه الثاني: أن يقال: إن ابن محمود قد زعم أن ابن خلدون قد سام أحاديث المهدي كلها بالضعف وعدم الصحة، وهذا غير صحيح، والواقع في الحقيقة بخلاف ما زعمه ابن محمود؛ فإن ابن خلدون لمَّا ذكر ما ذكر من أحاديث المهدي قال بعد ذلك ما نصه: "فهذه جملة الأحاديث التي خرَّجها الأئمة في شأن المهدي وخروجه آخر الزمان، وهي كما رأيت لم يخلص منها من النقد إلا القليل أو الأقل منه". انتهى، فهذا صريح في استثناء القليل أو الأقل من أحاديث المهدي من النقد، وفي هذا أبلغ رد على ما توهمه ابن محمود على ابن خلدون، حيث زعم أنه قد سام أحاديث ....................................