عليها في مخالفة الأحاديث الثابتة وإطراحها، ويجد أيضًا أنه يسوق كلام بعض العصريين بالنص أو ببعض التصرف في العبارة، ولا ينسبه إليهم بل يجعله من كلام نفسه، ويجد أيضًا أنه يتقول على بعض العلماء، وينسب إليهم أقوالاً لا توجد في كتبهم، ولم ينقلها العلماء الأمناء عنهم، ولا سيما في الحكم على بعض الأحاديث بالضعف أو الوضع، وقد بينت ذلك في مواضعه من هذا الكتاب، وأشرت إلى مواضع ذلك في رسالة ابن محمود ليراجعه من أراد الوقوف عليه.
وأما قوله: وكان الشافعي يقول للإمام أحمد: "إذا ثبت عندك الحديث فارفعه إلي حتى أثبته في كتابي".
فجوابه: أن أقول: إني لم أر هذا منقولا عن الشافعي، وإنما المنقول عنه ما ذكره ابن القيم في "إعلام الموقعين" عن عبد الله بن الإمام أحمد أنه قال: "قال أبي: قال لنا الشافعي: إذا صح لكم الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقولوا لي حتى أذهب إليه"، وقد رواه أبو نعيم في "الحلية"، عن سليمان بن أحمد الطبراني، قال:"سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل يقول: سمعت أبي يقول: قال محمد بن إدريس الشافعي: يا أبا عبد الله، إذا صح عندكم الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرونا به حتى نرجع إليه"، وروى أبو نعيم أيضًا عن الطبراني قال:"سمعت عبد الله بن أحمد يقول: سمعت أبي يقول: قال لي محمد بن إدريس الشافعي: يا أبا عبد الله، أنت أعلم بالأخبار الصحاح منا، فإذا كان خبر صحيح فأعلمني حتى أذهب إليه، كوفيًا كان أو بصريًا أو شاميًا"، ورواه القاضي أبو الحسين في "طبقات الحنابلة" بإسناده إلى عبد الله بن الإمام أحمد قال: "قال لي أبي: قال لنا الشافعي: أنتم أعلم بالحديث والرجال مني، فإذا كان الحديث صحيحًا فأعلموني، إن شاء أن يكون كوفيًا أو بصريًا أو شاميًا، حتى أذهب إليه إذا كان صحيحًا" قال القاضي أبو الحسين وهذا من دين الشافعي حيث سلَّم هذا العلم لأهله.
قلت: وعلى تقدير أن يكون الشافعي قال للإمام أحمد إذا ثبت عندك الحديث فارفعه إلي حتى أثبته في كتابي فهذا ليس من التقليد كما زعم ذلك ابن محمود، وإنما هو من الرواية بالإجازة، وذلك جائز ومعمول به عند المحدثين.
وأما قول ابن محمود: وكذلك سائر علماء كل عصر ينقل بعضهم عن بعض ... إلى آخر كلامه.