الوجه الثاني: أن يقال: ما ادعاه ابن محمود من أنه قد كاد أن ينعقد الإجماع من المتأخرين من أهل الأمصار على تضعيف أحاديث المهدي، فهو مجرد دعوى لا صحة لها؛ لأن القائلين بتضعيف أحاديث المهدي أفراد قليلون من العصريين، وجمهور العلماء على خلافهم، ولو قُدِّر صحة ما ادعاه لكان ذلك مدفوعًا بإجماع العلماء المتقدمين من أهل السنة والجماعة على خروج المهدي في آخر الزمان، سوى من لا يُعتد بهم ممن زعم أن المهدي عيسى ابن مريم، ومن قال إنه المهدي العباسي.
الوجه الثالث: أن يقال: ليس بين الأحاديث الثابتة في المهدي تعارض ولا تناقض ولا مخالفة ولا إشكال البتة، وقد تقدم الجواب عن هذا في أول الكتاب مع الكلام على قول ابن محمود في صفحة (٦): ومنها تناقض هذه الأحاديث وتعارضها، فليراجع هناك (١).
الوجه الرابع: أن يقال: إن الذي يجعل الأمر جليا في أمر المهدي ويزيل اللبس والشكوك عنه هو اتباع الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه، فأما كلام بعض العصريين في تضعيف أحاديث المهدي ومجازفتهم في ردها وإطراحها فهو الذي يضر ضَعَفَة الأفهام، ويوقعهم في الحيرة والشك، وربما أوقع بعضهم في المكابرة في رد الحق ومعارضته بالشبه والشكوك، كما قد وقع ذلك للمردود عليه، ولغيره من المفتونين بآراء العصريين وتخرصاتهم.
وقال ابن محمود في صفحة (٣٦) وصفحة (٣٧): "الحادي عشر: هو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء بجلب المصالح وتكثيرها، ودرء المفاسد والمضار وتقليلها، وإن التصديق بالمهدي والدعوة إلى الإيمان به يترتب عليها فنون من المضار والمفاسد الكبار والفتن المتواصلة، مما ينزه الرسول عن الإتيان بمثلها ... إلى أن قال: فإن الله -سبحانه- في كتابه وعلى لسان نبيه لا يوجب الإيمان برجل مجهول في عالم الغيب، وهو من بني آدم، ليس بملك مقرب، ولا نبي مرسل، ولا يأتي بدين جديد من ربه مما يجب الإيمان به، ثم يترك الناس يتقاتلون على التصديق والتكذيب به، فإن هذا مما ينافي شريعته التي جعلها الله رحمة لعباده، فوجود هذا أضر على الناس من عدمه، مع أنه من المحال بأن يكون على صفة ما ذكروا، أما اعتقاد بطلانه وعدم التصديق به فإنه يعطي القلوب .....................................................................