للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإما اتِّباع الهوى، ومن رد الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو ممن اتبع هواه بغير هدي من الله.

وأما قوله: على حد ما قيل والقوة للكاثر.

فجوابه: أن يقال: أما أهل السنة فإنهم لم يغتروا بكثرة الأحاديث الواردة في المهدي وإنما اعتمدوا على الصحاح والحسان منها، وما سوى ذلك مما تكلم العلماء في إسناده فإنما يذكرونه للاستشهاد لا للاعتماد، وأما الذين حادوا عن طريق أهل السنة واستحسنوا أفكار الغربيين وأذناب الغربيين ومن يتشبه بهم ويحذو حذوهم من متشدقة العصريين، فهؤلاء هم الذين انجرفوا مع تيار الآراء والأفكار العصرية، واغتروا بالكثرة الكاثرة من أقوال من هبَّ ودبَّ، وبعد فإن القوة لله ولمن كان الله معه، والقوة في الأقوال لكلمة الحق ولو قل ناصروها، قال الله -تعالى-: {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ}.

وأما قوله: على أن الكمية لا تغني عن الكيفية شيئًا.

فجوابه: أن يقال قد اجتمع في أحاديث المهدي كثرة الكمية وقوة الكيفية في بعضها، فأما كثرة الكمية فقد ذكر الشوكاني أن الذي أمكن الوقوف عليه منها خمسون حديثًا وثمانية وعشرون أثرًا، قال: "وجميع ما سقناه بالغ حد التواتر كما لا يخفى على من له فضل اطلاع". انتهى منقولا من "تحفة الأحوذي"، وذكر غير واحد من العلماء أن أحاديث المهدي متواترة وقد تقدم ذكر ذلك قريبًا (١)، وأما قوة الكيفية فقد تقدم في أول هذا الكتاب إيراد روايات كثيرة من الصحاح والحسان التي وردت في المهدي (٢)، وتقدم قريبا (٣) ذكر العلماء الذين صححوا كثيرًا من أحاديث المهدي، فليراجع جميع ما تقدم، ففيه أبلغ رد على مزاعم ابن محمود.

وأما قوله: وأكثر الناس مقلدة يقلد بعضهم بعضًا، وقليل منهم المحققون.

فجوابه: أن يقال: إن قول ابن محمود هذا يعود عليه، فإنه قد قلَّد ابن خلدون في أوهامه التي قالها في أحاديث المهدي، وقلد الذين قلدوا ابن خلدون من المتأخرين؛

مثل رشيد رضا، ومحمد فريد وجدي، وأحمد أمين، والمودودي وغيرهم من العصريين،


(١) ص (٤٣ - ٤٥).
(٢) ص (٩ - ١٧).
(٣) ص (٤١ - ٤٣).

<<  <   >  >>