للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الذين ادعوا لأنفسهم المهدية كذبًا وزورًا، مثل ابن التومرت ومهدي القرامطة وأضرابهم من الكذابين، أو ادعاها فيهم غيرهم، مثل دعوى الرافضة في محمد بن الحسن العسكري، ودعوى الفئة الباغية التي ألحدت في المسجد الحرام في أول سنة ١٤٠٠ من الهجرة أن واحدًا منهم هو المهدي، فكل هؤلاء لم يدعوا المهدية اعتمادًا علي مجرد الأفكار وإنما تعلقوا بالأحاديث التي جاءت في ذكر المهدي، فأخطئوا في تطبيقها على من ليس لها بأهل وضلوا وأضلوا، وتعلق هؤلاء وأضرابهم بالأحاديث الواردة في المهدي لا يؤثر في ثبوت الأحاديث الواردة فيه، ولا يكون طعنًا فيها كما قد يتوهمه بعض الجهال، الذين قل نصيبهم من العلم النافع، وإنما يكون الطعن في الذين يدعون ما ليس لهم بحق، ويتعلقون بالأحاديث التي لم ترد فيهم، أو يدعون ذلك فيمن افتتنوا به، ويتعلقون بالأحاديث التي لم ترد فيه.

وأما قوله: فهذه الأحاديث هي التي أخذت بمجامع قلوب الأكثرين من أهل السنة.

فجوابه: أن يقال: إن أهل السنة لا يلحقهم لوم إذا آمنوا بما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في شأن المهدي المنتظر، واعتقدوا أن ذلك حق وقابلوه بالقبول والتسليم، قال الله -تعالى-: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا *}، وإنما يكون اللوم كل اللوم لمن خالف الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يبال بردها وإطراحها، وقد قال الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- في قول الله -تعالى-: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}: "أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك، ثم جعل يتلو هذه الآية {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا *} "، وقد تقدم قوله: "من رد أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو على شفا هلكة"، وقوله أيضًا: "كل ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إسناد جيد أقررنا به، وإذا لم نقر بما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودفعناه ورددناه رددنا على الله أمره، قال الله -تعالى- {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} "، وقد قال الله -تعالى-: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}، فدلت الآية الكريمة على أنه لا بد من أحد أمرين لا ثالث لهما؛ إما الاستجابة للرسول - صلى الله عليه وسلم - وذلك بامتثال أوامره واجتناب نواهيه وتصديق أخباره،

<<  <   >  >>