الوجه الرابع: أن يقال: إن المهدي الذي يخرج في آخر الزمان لا يسمى مهديًا من أجل أنه من أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن اسمه محمد بن عبد الله، ولا من أجل كونه أجلى أقنى، وإنما يسمى مهديًا من أجل صلاحه وعمله بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومطابقة خلقه لخلق النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونشره للقسط والعدل، وإزالته للجور والظلم، ومن كانت أعماله بخلاف ما ذكرنا فليس بمهدي، ولو كان من أهل البيت النبوي، وكان اسمه محمد بن عبد الله، وكان أجلى أقنى؛ لأن هذه الأمور لا تفيده شيئًا إذا لم تكن أعماله مطابقة لما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المهدي. وقد كان المهدي العباسي مطابقًا في الاسم واسم الأب لاسم النبي - صلى الله عليه وسلم - واسم أبيه، ومع هذا فلم يكن هو المهدي الذي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بخروجه في آخر الزمان؛ لأن أعماله مختلفة عن أعمال الخلفاء الراشدين المهديين.
وقال ابن محمود في صفحة (٦): "ومنها أنه من الأمر المحال أن يوجب النبي على أمته التصديق برجل من بني آدم مجهول في عالم الغيب، وهو ليس بملك مقرب ولا نبي مرسل، ولا يأتي بدين جديد من ربه مما يجب الإيمان به والعمل بموجبه، ثم يترك أمته يتقاتلون على حساب تصديقه والتكذيب به، فإن هذا من الأمر المنافي لسنته وحكمة رسالته".
والجواب عن هذا من وجوه؛ أحدها: أن يقال: كل ما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أنباء الغيب مما مضى وما سيأتي فإنه يجب الإيمان به، قال الله -تعالى-: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}، ومن ذلك ما أخبر به عن الأمور التي تكون بعده إلى قيام الساعة كما جاء ذلك في عدة أحاديث صحيحة، ومن جملة ما أخبر به خروج المهدي في آخر الزمان، فيجب الإيمان بذلك تصديقًا لخبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما يجب الإيمان بغير ذلك مما أخبر الصادق المصدوق -صلوات الله وسلامه عليه- أنه سيكون بعده، ومن آمن ببعض ما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورد بعضه، فلا شك أنه فاسد العقيدة، وقد تقدم قول البربهاري أن من أنكر شيئًا من أخبار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإنه متهم على الإسلام، وإنه صاحب هوى مبتدع.
الوجه الثاني: أن يقال: قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «أمرت أن أقاتل الناس
حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا