للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومعارضة الأحاديث الثابتة فيه، مع أنه قد بالغ في ذم التقليد في صفحة (٥) وصفحة (٨) من رسالته، وقال إن المقلد لا يعد من أهل العلم. وقد ذكرت بعض الذين قلدهم ابن محمود في أول الكتاب (١)، وسيأتي ذكر بعضهم قريبًا -إن شاء الله تعالى-.

الوجه الثاني:

أن يقال: إن ابن محمود قد جازف في قوله: "محاربة علماء الأمصار لاعتقاد ظهور المهدي"؛ حيث أوهم بهذه العبارة أن علماء الأمصار قديمًا وحديثًا قد أجمعوا على محاربة اعتقاد ظهور المهدي. وهذا في الحقيقة بخلاف الواقع، فإن الذين قاموا بمحاربة اعتقاد ظهور المهدي ومعارضة الأحاديث الثابتة فيه لا يعرف منهم إلا أفراد قليلون من العصريين، الذين كانوا في أثناء القرن الرابع عشر من الهجرة وفي آخره، وجمهور العلماء على خلافهم، أما العلماء المتقدمون فكما ذكرت عنهم في الوجه الأول أنه لم يثبت عن أحد منهم أنه أنكر خروج المهدي في آخر الزمان فضلا عن محاربة اعتقاد ظهوره، وأما العلماء المتأخرون فقد رأيت لكثير منهم ردودا على من أنكر خروج المهدي في آخر الزمان، رأيت ذلك في عدة كتب وتعليقات على الكتب، وسمعت ذلك من كثير من العلماء الموجودين على قيد الحياة، وبلغني ذلك عن كثير منهم.

وأما قول ابن محمود عن العصريين: إنهم متى طرقوا بحثًا من البحوث العلمية فإنهم يشبعون البحث تحقيقًا وتدقيقًا وتمحيصًا وتصحيحًا، حتى يجعلوه جليًا للعيان وصحيحًا بالدلائل والبرهان.

فجوابه: أن يقال: لقد بالغ ابن محمود في مدح العصريين ووصفهم بما لا ينطبق عليهم، وقد روى الإمام أحمد وأبو داود عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «حبك الشيء يعمي ويصم». وقد رأيت لبعضهم بحوثًا كثيرة على خلاف الصواب؛ فتجدهم في التفسير يؤولون آيات الصفات بما يوافق أقوال المعتزلة، وفي الكلام على المعجزات وخوارق العادات إما أن ينكروها أو يؤولوها بما يتفق مع أفكارهم أو أفكار من يعظمونه من الغربيين واتباع الغربيين، وفي الكلام على السموات والأرض والشمس والقمر والنجوم يتمسكون بما يقوله أهل الهيئة الجديدة من فلاسفة الغربيين، وفي الكلام على أشراط الساعة تجد بعضهم ينكرها وبعضهم يؤولها أو يؤول بعضها علي ما يوافق رأيه وتفكيره، وأما الأحاديث الواردة في ............................................................


(١) ص ٣٢ - ٣٣.

<<  <   >  >>