للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحاديث أشراط الساعة .... إلى آخر كلامه، فهذا كله مردود عليه؛ لأنه يقتضي الطعن في علماء السنة المتقدمين، ورميهم بالتغفيل وقلة العناية والاهتمام بأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا شك أن علماء السنة المتقدمين كانوا على خلاف ما يظنه ابن محمود فيهم، فقد كانوا على غاية من النباهة والذكاء والفطنة، فلا تخفي عليهم أحاديث الكذابين والوضاعين، ولا تروج عليهم الأحاديث الضعيفة والواهية والمنكرة، وقد أعطاهم الله من الحفظ والإتقان والعناية بالأحاديث، وتمييز الصحيح من الضعيف والواهي والموضوع، وبيان الكذابين والوضاعين والتحذير منهم، ما هو معروف عند أهل العلم والإنصاف. ولو طالع ابن محمود "تذكرة الحفاظ" للذهبي لرأي فيها ما يخالف ظنه في علماء السنة المتقدمين، وكذلك لو طالع "تهذيب الكمال" للمزي، و "تهذيب التهذيب" لابن حجر لرأي فيهما ما يخالف ظنه.

الوجه الثاني: أن يقال: إن الأحاديث الثابتة في المهدي ليست متضاربة ولا مختلفة كما زعم ذلك ابن محمود، وإنما التضارب والاختلاف واقع في أوهامه وتخيلاته.

الوجه الثالث: أن يقال: يفهم من فحوى كلام ابن محمود أنه يتشكك في أحاديث الدجال، ويأجوج ومأجوج، وما كان من قبيل ذلك من أشراط الساعة؛ مثل نزول عيسى ابن مريم، وخروج الدابة، والدخان، وطلوع الشمس من مغربها، والخسوفات الثلاثة في المشرق والمغرب وجزيرة العرب، وخروج النار التي تطرد الناس إلى محشرهم، وكذلك حسر الفرات عن كنز من ذهب أو جبل من ذهب، ويرى أن علماء السنة المتقدمين قد تساهلوا فيما ورد من هذه الأحاديث، وأنهم لم يتكلفوا في نقدها وإخضاعها للتصحيح والتمحيص، الذي معناه عند ابن محمود ردها وقلة المبالاة بها، كما فعل ذلك بأحاديث المهدي حين أخضعها للتصحيح والتمحيص على حد زعمه، ثم حكم عليها بأنها مختلقة ومصنوعة وموضوعة ومزورة على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليست من كلامه، وأنها أحاديث خرافة، وأنها نظرية خرافية، وأنها بمثابة حديث ألف ليلة وليلة، فهذا حاصل تصحيح ابن محمود وتمحيصه لجميع الأحاديث الواردة في المهدي، ولم يفرق بين الصحيح منها والحسن والضعيف المنجبر، وبين المنكر والموضوع، بل جعل الجميع على حد سواء، وحكم على الجميع بالرد والإطراح، مع وصفها كلها بأقبح الصفات، وقد قال الله -تعالى-: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ}، وقال -تعالى- في صفة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم -: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}. فمن كذَّب الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ...........

<<  <   >  >>