كما زعم ذلك ابن محمود، بل إنهم بعيدون كل البعد عن التحقيق، وكلهم عالة على ابن خلدون، فإنه أول من تكلم في أحاديث المهدي وتوسع في ذلك، ولم يستثن منها من النقد إلا القليل أو الأقل، وقد رد العلماء على ابن خلدون وخطئوه كما سيأتي بيان ذلك -إن شاء الله تعالى-.
وهل يظن ابن محمود أنه ومتبوعيه كابن خلدون ورشيد رضا وأضرابه من العصريين، أعلم من الإمام أحمد بالحديث وعلله، وأعلم من أبي داود، والترمذي، وابن ماجة، وابن حبان، والعقيلي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، والذهبي، وزين الدين العراقي، وابن حجر العسقلاني، ونور الدين الهيثمي. كلا لا يستوي هؤلاء وأولئك، ولا شك أن البون بين الفريقين أبعد مما بين المشرق والمغرب.
وأما قوله: لأمور منها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث بدين كامل وشرع شامل، مبني على جلب المصالح وتكثيرها، ودفع المضار وتقليلها، ومن المعلوم أن اعتقاد المهدي والقول بصحة خروجه يترتب عليه من المضار والمفاسد الكبار، ومن إثارة الفتن وسفك دماء الأبرياء ما يشهد بعظمته التاريخ المدروس والواقع المحسوس، من كل ما يبرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإتيان به، إذ الدين كامل بدونه.
فجوابه من وجوه؛ أحدها: أن يقال: يظهر من كلام ابن محمود وملاحظاته التي أدركها في الأحاديث الواردة في خروج المهدي، أنه يرى أنه يترتب على إثباتها القول بنقصان الدين، وأن إكماله يكون على يد المهدي، وهذه الملاحظة لا يقولها من له أدنى عقل وعلم، وليس في أحاديث المهدي ما يشير إلى هذه الملاحظة البتة.
الوجه الثاني: أن يقال: الذي يعتقده المسلمون في المهدي أنه يقيم القسط والعدل، ويزيل الجور والظلم، كما ثبت ذلك في عدة روايات، عن ابن مسعود وأبي سعيد وعلي -رضي الله عنهم- وتقدم ذكرها (١)، ولا يلزم على هذا الاعتقاد شيء من الملاحظات التي أدركها ابن محمود.
الوجه الثالث: أنه لم يؤثر عن أحد من المسلمين أنه قال إن دين الإسلام ناقص وإن المهدي يأتي ليكمله، والذي يعتقده المسلمون أن الله -تعالى- قد أكمل
الدين لهذه الأمة كما قال -تعالى-: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي