ومما ينبغي التنبيه عليه أيضًا؛ أن الملقب بالمهدي وهو عبيد الله بن ميمون القداح، ليس هو مهديًا ولا علويا، وإنما كان صباغًا بسلمية، وكان يهوديًا، فادعى الإسلام ثم سافر من سلمية، فدخل بلاد إفريقية فادعى أنه شريف فاطمي، فصدقه كثير من الجهال وصارت له دولة، فملك مدينة سلجماسة، ثم ابتنى مدينة وسماها المهدية. هذا ما ذكره العلماء عن مؤسس دولة الفاطميين، الذين انتسبوا إلى أهل البيت، وإلى أنهم من ذرية فاطمة، وذلك كذب وزور.
ومن أخطاء ابن محمود قوله: وأقام كعبة جديدة للقرامطة بالقطيف بمكان يسمى الجعبه، ووضع فيها الحجر الأسود.
وأقول: قد رأيت المكان الذي أشار إليه ابن محمود، وهو يقع فيما بين مدينة الدمام وقرية سيهات التابعة للقطيف، وهو قريب منها وفيه جبل صغير تسميه الأعراب الكعبة، ولكنهم يبالغون في ترقيق الكاف كما هي عادة الأعراب في النطق بهذا الحرف، فاسم ذلك الجبل الصغير الكعبة بالكاف المرققة لا الجعبة بالجيم.
ومنها قوله: والشاهد من هذا الحديث أن أبا طاهر الذي فعل في الحرم الشريف ما فعل كان يدعي بأنه المهدي المنتظر، نفس ما ادعى به جهيمان ومن معه.
وأقول: إنني لم أر أحدًا من المؤرخين ذكر عن أبي طاهر القرمطي أنه كان يدعي أنه المهدي المنتظر، وإنما ذكروا عنه أنه كان داعية لعبيد الله بن ميمون القداح الذي كان يلقب بالمهدي. قال ابن كثير في "البداية والنهاية" في ذكر القرامطة: "وقد كانوا ممالئين للفاطميين الذين نبغوا ببلاد إفريقية من أرض المغرب، ويلقب أميرهم بالمهدي؛ وهو أبو محمد عبيد الله بن ميمون القداح، وكان هؤلاء القرامطة يراسلونه، ويدعون إليه، ويترامون عليه، ويقال إنهم إنما كانوا يفعلون ذلك سياسة، ولا حقيقة له". انتهى، وذكر ابن الجوزي في "المنتظم" أن القرامطة كانوا يمخرقون بالمهدي، ويوهمون أنه صاحب المغرب، وذكر صاحب "النجوم الزاهرة" عن أبي طاهر أنه كان يزعم أنه داعية المهدي عبيد الله، وذكر له شِعرًا قال فيه:
أنا الداع للمهدي لا شيء غيره
أنا الصارم الضرغام والفارس الذكر
وفي صفحة (٢٣) ذكر ابن محمود المقارنة بين أقوال العلماء المتقدمين والمتأخرين، وقال: "إننا متى قابلنا بين العلماء المتقدمين والمتأخرين نجد الفرق واسعًا، فلا مداناة فضلا عن المساواة، إذ العلماء المتقدمون قد جمعوا بين العلم والعمل، فهم .....................