للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على أن صفة المهدية أعم من صفة النبوة، وفي هذا رد لما توهمه ابن محمود من أن صفة المهدية من خصائص النبوة، وأنه لا مهدي بعد رسول الله كما أنه لا نبي بعده.

وقال ابن محمود في صفحة (٢٩): "والمهدي متى قلنا بتصديق الأحاديث الواردة فيه، ليس بملك معصوم، ولا نبي مرسل، ما هو إلا رجل عادي كأحد أفراد الناس، إلا أنه عادلٌ، يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورًا، وكل الأحاديث الواردة فيه ضعيفة، ويترجح بأنها موضوعة على لسان رسول الله، ولم يحدث بها".

والجواب عن هذا من وجوه؛ أحدها: أن يقال: قد كرر ابن محمود في عدة مواضع قوله إن المهدي ليس بملك مقرب ولا نبي مرسل، وقال في هذا الموضع ليس بملك معصوم، ولم أر أحدًا سبقه إلى وصف الملائكة بهذه الصفة، وإن كانوا معصومين عن كبائر الذنوب وصغائرها، لقول الله -تعالى-: {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}، وقال -تعالى-: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ}، وقال -تعالى-: {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}، وقال -تعالى-: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}. وإنما تقال هذه الصفة في حق الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- كما هو معروف عند أهل العلم.

الوجه الثاني: أن يقال: قول ابن محمود إن المهدي ليس بملك مقرب ولا نبي مرسل وتكريره ذلك يعتبر كلامًا لاغيًا لا حاصل تحته؛ لأن المهدي الذي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بخروجه لا يدَّعي أنه ملك مقرب ولا نبي مرسل، ولا يدعي الناس ذلك فيه، وإنما هو إمام من أئمة العدل الذين يعملون بالكتاب والسنة، ويزيلون الجور والظلم، ويبسطون القسط والعدل.

الوجه الثالث: أن يقال: لو أن رجلا ادَّعى أنه المهدي وزعم أنه ملك مقرب أو نبي مرسل، لكان الواجب تكذيبه وقتله إلا أن يتوب؛ لأنه لا يدعي ذلك إلا من هو كذَّاب دجال.

وأما قوله: ما هو إلا رجل عادي كأحد أفراد الناس، إلا أنه عادلٌ يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورًا.

فجوابه: أن يقال هذا هو الحق لو أن ابن محمود ثبت عليه.

<<  <   >  >>