وهذه الأحاديث وإن كان في إسنادها بعض الضعف والغرابة فهي مما يقوي بعضها بعضًا ويشد بعضها ببعض، فهذه أقوال أهل السنة". انتهى المقصود من كلام ابن القيم -رحمه الله تعالى-، وفيه أبلغ رد على ابن محمود حيث تقوَّل على ابن القيم وزعم أنه قد أيد قول ابن خلدون في تضعيف أحاديث المهدي، وقد قرر ابن القيم -رحمه الله تعالى- خروج المهدي في عدة مواضع من كلامه، وأيد ذلك بالأدلة، وذكر أنه أحد أقوال أهل السنة، وأن أكثر الأحاديث تدل عليه، وذكر أيضًا أن أحاديث المهدي أربعة أقسام؛ صحاح وحسان وغرائب وموضوعة، ومع هذا يزعم ابن محمود أن ابن القيم قد أيَّد قول ابن خلدون في تضعيف أحاديث المهدي. أما يستحي ابن محمود من التقول على العلماء؟! أما يخاف من سوء عاقبة ذلك؟! أيظن أن الناس كلهم أغبياء يروح عليهم التوهيم والتلبيس بالأقوال الباطلة، ولقد أحسن الشاعر حيث يقول:
إذا شئت أن تحيا عزيزًا مسلمًا ... فدبر وميز ما تقول وتفعل
وأما الشاطبي فإنه لم يذكر في كتابه "الاعتصام" شيئًا من الأحاديث الواردة في المهدي فضلا عن أن يكون مؤيدًا لابن خلدون على تضعيفها، وقد ذكرت في أثناء الكتاب أن الشاطبي أشار إلى أحاديث المهدي في قوله عن المتسمي بالمهدي إنه زعم أنه المبشر به في الأحاديث، وذكرت هناك أن قول الشاطبي صريح في أنه يرى أن المهدي المبشر به في الأحاديث حق، وأنه غير المغربي الذي زعم أنه المهدي المبشر به، فليراجع ما تقدم (١).
وأما قول ابن محمود: إن الشاطبي جعل المهديين من أهل البدع. فهذا من التقول على الشاطبي، فإنه إنما أراد بكلامه شخصًا واحدًا، وهو محمد بن تومرت المغربي الذي ادعى أنه المهدي المبشر به، ولم يُرِد به عموم المهديين، قال في صفحة (٢١٦) من الجزء الأول المطبوع في مطبعة المنار بمصر سنة ١٣٣١ هـ من الهجرة ما نصه: "وكذلك من اتبع المهدي المغربي المنسوب إليه كثير من بدع المغرب، فهو في الإثم والتسمية مع من اتبع، إذا انتصب ناصرًا لها ومحتجًا عليها"، وقال أيضًا في صفحة (٣٤٣) من الجزء الأول، بعد ما ذكر أشياء من أقوال الباطنية ما نصه: "وتصور المذهب كافٍ في ظهور بطلانه إلا .........................