ويملأ الأرض قسطًا وعدلا كما ملئت جورًا وظلمًا، وسماه في بعض الأحاديث بالمهدي، فوجب الإيمان بخبره الصادق، ومن لم يؤمن به فلا شك أنه لم يحقق الشهادة بالرسالة.
ومن زعم أنه ليس في الشريعة الإيمان بخروج المهدي، وأنه من المحال أن تأتي الشريعة به، فذلك دليل على بعده عن معرفة ما جاءت به الشريعة.
وأما قوله: إذ هو جرثومة فتنة دائمة ومشكلة لم تحل.
فجوابه: أن يقال: أما المهدي الذي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بخروجه في آخر الزمان فليس خروجه فتنة ولا مشكلة، وإنما هو نعمة عظيمة على المؤمنين؛ لأن الله -تعالى- يزيل الفتن والمشاكل والجور والظلم على يديه، ويبدل ذلك بالقسط والعدل والأمن والطمأنينة والرخاء والنعم الكثيرة، كما قد جاء ذلك في بعض الأحاديث التي تقدم ذكرها في أول الكتاب (١)، وأما الذين ادعوا المهدية كذبًا وزورًا وحصل بسببهم فتن ومشاكل فهؤلاء إنما كانوا يسعون لتحصيل الملك والأغراض الدنيوية، وبين صفاتهم وصفات المهدي الذي يخرج في آخر الزمان بَون عظيم وفرق شاسع، ودعاواهم الكاذبة لا تؤثر في الأحاديث الواردة في المهدي، كما أن دعاوى الدجالين المدعين للنبوة لا تؤثر في نبوة الأنبياء، وقد وجد من هؤلاء وهؤلاء عدد كثر، وحصل بسببهم فتن ومشاكل كثيرة، ومن لم يفرق بين المهدي الذي بشر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين الذين ادعوا المهدية كذبًا وزورًا وجعل الجميع من باب واحد، فحري به أن لا يعرف الفرق بين الأنبياء وبين المتنبئين.
وأما قوله: والرسول جاء بمحاربة الفتن وقال: «أعوذ بالله من مضلات الفتن».
فجوابه: أن يقال: قد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المهدي أنه يعمل بسنته، وأن خُلُقه يواطئ خُلُقه، وأنه يملأ الأرض قسطًا وعدلا كما ملئت جورًا وظلمًا، وفي هذا أوضح دليل على أن المهدي يحارب الفتن وأهل الفتن كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحارب الفتن وأهل الفتن، وفيه أيضًا أبلغ رد على من زعم أن المهدي جرثومة فتنة دائمة ومشكلة لم تحل.
وأما قوله: وقال: «لقد تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك».