للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المهدي، وقد قال الله -تعالى-: {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}.

وقال ابن محمود في صفحة (٣٤) وصفحة (٣٥): "لكن رأينا بعض العلماء في هذا الزمان يعترض على تصحيحات ابن خلدون، قائلا إنه مؤرخ وليس بصاحب حديث، وهذا الاعتراض لا موقع له من الصحة، فإن ابن خلدون عالم جليل، ولا يقول أحد فيه إلا الخير، وكونه مؤرخًا لا يمنع من كونه محققًا لعشرة أحاديث أو أكثر، لكون التحقيق سهل على مثله عند توافر الآلات والكتب المؤلفة عن صفات الرواة، ودراسة الأشخاص وعدالتهم والقدح فيهم من شئون التاريخ، كما أنه من شئون علم الحديث".

والجواب عن هذا من وجوه؛ أحدها: أن يقال: يفهم من ظاهر كلام ابن محمود أن ابن خلدون له تصحيحات لبعض أحاديث المهدي، وهذا مخالف للواقع، فإن ابن خلدون لم يصحح شيئًا من أحاديث المهدي، وإنما نقدها إلا القليل أو الأقل منه كما صرح بذلك في مقدمته، وقد ذكر كلامه في ذلك قريبًا فليراجع (١)، وكان ينبغي لابن محمود أن يقول: إن بعض العلماء قد اعترضوا على تضعيف ابن خلدون لأحاديث المهدي، فإن هذا هو المطابق للواقع، فأما قوله: إنهم اعترضوا على تصحيحات ابن خلدون، فهو مما انقلب عليه.

الوجه الثاني: أن يقال: إن العلماء الذين اعترضوا على ابن خلدون لم يعترضوا عليه في شيء من التصحيح كما قد توهم ذلك ابن محمود، وإنما اعترضوا عليه في نقده لبعض الأحاديث الثابتة، ولا ينكر موقع ذلك من الصحة إلا جاهل أو مكابر.

الوجه الثالث: أن يقال: إن الذين اعترضوا على ابن خلدون في نقده لأحاديث المهدي وحكمه بضعفها سوى القليل أو الأقل منه هم المصيبون؛ لأن ابن خلدون قد ضعف أحاديث صحيحة لا مطعن فيها، وقد صححها كثير من أكابر العلماء ممن لا يدانيهم ابن خلدون في نقد الأحاديث ومعرفة صحيحها من ضعيفها فضلا عن أن يساويهم، وقد ذكرت تصحيحهم لبعض أحاديث المهدي في أول الكتاب، وذكرت أيضًا قول من قال من أكابر ....


(١) ص ٢٠٣.

<<  <   >  >>