للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وللعقول السليمة غاية الموافقة، ومن قال بخلاف هذا فلا شك أن عقله غير سليم.

وقال ابن محمود في صفحة (٢٧): "وإن الجهل بأحكام الدين وحقائقه وعقائده الصحيحة يدفع صاحبه إلى أي فكرة تنقش له بدون مناظرة عقلية، وبدون رجوع إلى نص صحيح وصريح، وهذا الجهل هو الذي أدَّى بأهله إلى وضع خمسين حديثًا في المهدي عند أهل السنة، وإن هذه الأحاديث المختلفة هي التي أفسدت العقول، وجعلتهم يتبعون الملاحدة والمفسدين من دعاة المهدي".

والجواب عن هذا من وجوه؛ أحدها: أن يقال: إن الجهل كل الجهل في رد الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المهدي، ووصفها بالصفات الذميمة التي لا تنطبق على شيء منها.

الوجه الثاني: أن يقال: إن ابن محمود قد طعن في جميع الأحاديث الواردة في المهدي وزعم أنها موضوعة، وهذا خطأ مخالف للحقيقة كما لا يخفى على من له أدنى إلمام بعلم الحديث، وقد قسَّم المحققون أحاديث المهدي إلى صحيح وحسن وضعيف منجبر يصلح للاستشهاد به، وقد ذكرتُ في أول الكتاب من قال من أكابر العلماء بتصحيح بعض أحاديث المهدي ومن قال منهم إنها متواترة، فليراجع ذلك (١). وقد خالف ابن محمود ما قاله المحققون في أحاديث المهدي، وسلك مسلك العصريين الذين تهجموا على أحاديث المهدي وزعموا أنها موضوعة، وليس معهم دليل على ما زعموه سوى المجازفة والجراءة على رد الأحاديث التي تخالف تفكيرهم الفاسد.

الوجه الثالث: أن يقال: ليس في الأحاديث الثابتة في المهدي ما يفسد العقول بوجه من الوجوه، وإنما الذي يفسد العقول ويفسد الدين أيضًا معارضة الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتكذيبها، والخوض في ردها بمجرد التفكير الذي هو غاية في الجهل، وقد قال الله -تعالى-: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. قال الإمام أحمد: "أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك"، وقال أحمد أيضًا: "من رد أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو على شفا هلكة".

الوجه الرابع: أن يقال: إن كلام ابن محمود في أول الجملة التي تقدم ذكرها .........


(١) ص ٤١ - ٤٥.

<<  <   >  >>