ليطلع على ما فيها من قلب الأحاديث وتركيب الأسانيد، وما كان يتهم به الواقدي من وضع الأحاديث، وغير ذلك من الأمور السيئة التي ينبغي النظر فيها، والتحذير منها ومن أهلها، وقد ذكر الذهبي في "الميزان" عن الإمام أحمد أنه قال في الواقدي: "هو كذاب، يقلب الأحاديث، يلقي حديث ابن أخي الزهري على معمر ونحو ذا"، وذكر أيضًا عن ابن المديني وأبي حاتم والنسائي أنهم قالوا:"الواقدي يضع الحديث".
وروى الخطيب في "تاريخ بغداد" عن علي بن المديني قال: "قال لي أحمد بن حنبل: أعطني ما رواه - يعني الواقدي- عن ابن أبي يحيى، قال: قلت: وما تصنع به؟ قال أنظر فيها أعتبرها، قال: ففتحها ثم قال: اقرأها عليَّ، قال: قلت: وما تصنع به؟ قال: انظر فيها، قال: قلت له: أنا أحدث عن ابن أبي يحيى، قال لي: وما عليك، أنا أريد أن أعرفها وأعتبر بها، قال: فقال لي بعد ذلك أحمد: رأيت عند الواقدي أحاديث قد رواها عن قوم من حديث ابن أبي يحيى قلبها عليهم".
وروى الخطيب أيضًا عن علي بن المديني قال:"سمعت أحمد بن حنبل يقول: الواقدي يُركِّب الأسانيد"، وروى أيضًا عن إسحاق الكوسج قال:"قال أحمد بن حنبل: كان الواقدي يقلب الأحاديث، كأنه يجعل ما لمعمر عن ابن أخي الزهري، وما لابن أخي الزهري لمعمر".
قلت: ولو قُدِّر أن الإمام أحمد كان ينقل الأجزاء من حديث الواقدي للغرض الذي ذكرنا، لما كان في ذلك بأس، ولكن لم ينقل عنه أنه كان ينقلها، وإنما نقل عنه أنه كان ينظر فيها فقط، ولم يكن الإمام أحمد -رحمه الله تعالى- يروي عن الواقدي ولا عن محمد بن سعد كاتب الواقدي، حتى يُظن به أنه كان ينقل الحديث والقول على علاته من كتب الواقدي أو من طبقات ابن سعد.
الوجه الرابع: أن يقال: إن العلماء من أهل السنة والجماعة منذ زمان أحمد إلى زماننا قد أجمعوا على تعظيم أحمد والثناء عيه، ولم يُذكر عن أحد من المتقدمين منهم ولا من المتأخرين أنه عاب أحمد بشيء أو طعن فيه أو تنقصه، وإنما كان ينقل ذلك عن أحمد بن أبي دؤاد وأصحابه من الجهمية، وعن الجاحظ وأضرابه من المعتزلة، والعاقل لا يرضى لنفسه أن يكون من أتباع هؤلاء الفسقة.
وقد روى الخطيب بإسناده، عن سفيان بن وكيع أنه قال:"أحمد عندنا محنة، من عاب أحمد فهو عندنا فاسق"، وروي أيضًا بإسناده عن أبي جعفر محمد بن بدينا ...............