وأما سنن ابن ماجة فقد ذكر الذهبي في "تذكرة الحفاظ" عن ابن ماجة أنه قال: "عرضت هذه السنن على أبي زرعة فنظر فيه، وقال: أظن إن وقع هذا في أيدي الناس تعطلت هذه الجوامع أو أكثرها، ثم قال: لعل لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثًا مما في إسناده ضعف". انتهى، وقال ابن كثير في "البداية والنهاية": "إن كتاب سنن ابن ماجة يشتمل على أربعة آلاف حديث كلها جياد سوى اليسيرة، وقد حكي عن أبي زرعة الرازي أنه انتقد منها بضعة عشر حديثًا، ربما يقال إنها موضوعة أو منكرة جدًا". انتهى.
وإذا علم أن الأحاديث الصحيحة في غير الصحيحين كثيرة جدًا، وأن أهل العلم كانوا يتلقونها بالقبول وإن كانت في غير الصحيحين، فهل يقول عاقل له أدنى علم ومعرفة أنه يسوغ ردها أو رد شيء منها وعدم الاحتفال بها- أي عدم المبالاة بها- حيث لم يأخذ بها البخاري ومسلم ولم يدخلاها في صحيحيهما؟ لا أظن أن عاقلا يقول بهذا القول الباطل، وقد قال الله -تعالى-: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، قال الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-: "الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك".
الوجه الرابع: أن يقال: إن بعض الأحاديث الواردة في المهدي قد رويت بالأسانيد الثابتة، وقد تقدم في أول الكتاب قول الإمام الشافعي:"إذا حدث الثقة عن الثقة إلى أن ينتهي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو ثابت، ولا يترك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديث أبدًا، إلا حديث وجد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آخر يخالفه".
وتقدم أيضًا قول الإمام أحمد:"كل ما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إسناد جيد أقررنا به، وإذا لم نقر بما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - ودفعناه ورددناه رددنا على الله أمره، قال الله -تعالى-: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ".
وتقدم أيضًا قول ابن شاقلا:"من خالف الأخبار التي نقلها العدل عن العدل، موصولة بلا قطع في سندها، ولا جرح في ناقليها، وتجرأ على ردها، فقد تهجم على رد الإسلام".
وقال أبو محمد ابن حزم في كتاب "الأحكام": إن خبر الواحد العدل عن مثله إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوجب العلم والعمل معًا". انتهى.
وكلام العلماء في الإنكار على الذين يعارضون الأحاديث الصحيحة