الدجال أبلغ رد على الحقيقة التي زعمها ابن محمود وليست بحقيقة، وإنما هي تخرص واتِّباع للظن، وقد قال الله -تعالى-: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}.
الوجه الثامن: أن يقال: ما زعمه ابن محمود من تداعي أمم الكفار على المسلمين وإقبالهم عليهم من كل حدب ينسلون حين استدعاهم استنشاق رائحة البترول في بلدان العرب المسلمين، فهو خلاف الحقيقة؛ لأن الكفار وإن كانوا قد حسدوا المسلمين على البترول لما ظهر عندهم وودوا لو انتزعوه منهم، فهم مع ذلك لم يتداعوا على المسلمين ولم يقبلوا عليهم من كل حدب ينسلون، ولم يكونوا يأخذون من بترول المسلمين شيئًا إلا بالثمن أو في مقابلة أعمالهم في استخراجه من أعماق الأرض وتصفيته، وكثير من أمم الكفار يتظاهرون بالصداقة للمسلمين ليبذلوا لهم شيئًا من البترول بالثمن، أفلا يستحي ابن محمود من نشر مزاعمه التي يشهد الواقع بخلافها؟!
وأما قوله: وكان ابتداء حركتهم في ظهورهم على المسلمين من غزوة مؤتة حين غزاهم المسلمون لدعوتهم إلى الإسلام، ثم صار ظهورهم يزداد عامًا بعد عام.
فجوابه من وجوه؛ أحدها: أن يقال: لا يخفى على من له أدنى علم بالتواريخ والسير أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما بعث الجيش يوم مؤتة لقتال الروم، وهم الذين كانوا في الشام في زمن الجاهلية وفي زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - وزمن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- ثم ظهر عليهم المسلمون في زمان عمر بن لخطاب -رضي الله عنه- وانتزعوا الشام منهم، فأما يأجوج ومأجوج فبلادهم في أقصى المشرق من ناحية الشمال، ذكر ذلك غير واحد من المتكلمين على الأقاليم ومواقع البلدان فيها، وقد روي ابن جرير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله -تعالى-: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ} قال: "الجبلين الردم الذي بين يأجوج ومأجوج، أمتين من وراء ردم ذي القرنين، قال: الجبلان أرمينية وأذربيجان". وروي أيضًا عن الضحاك في قوله:{بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ} يعني الجبلين، وهما من قبل أرمينية وأذربيجان، وقال القرطبي في تفسير قوله -تعالى-: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ}: "وهما جبلان من قبل أرمينية وأذربيجان". انتهى.
وهؤلاء لم يبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم جيشًا ولا دعاة يدعونهم إلى الإسلام، ولا يمكن الاتصال بهم، حتى يأتي الوقت الذي قدر الله خروجهم فيه، وهو بعد نزول عيسى وقتل الدجال، فحينئذ يخرجون ويطئون البلاد، ويهلكون كل شيء أتوا عليه، حتى يدعو عليهم نبي الله ...