للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عيسى فيهلكهم الله جميعًا، هذا هو الثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد قال الله -تعالى-: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}.

الوجه الثاني: أن يقال: إذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد فزع واحمر وجهه حين فتح من ردم يأجوج ومأجوج مثل موضع الدرهم، فكيف يظن به أنه بعث جيشًا من أصحابه يوم مؤتة لغزو يأجوج ومأجوج ودعائهم إلى الإسلام، هذا كلام باطل مردود.

الوجه الثالث: أن يقال: إنه لم يؤثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في الروم الذين قاتلهم المسلمون يوم مؤتة أنهم من يأجوج ومأجوج ولا أشار إلى ذلك البتة، وكذلك لم يؤثر عن أحد من الصحابة ولا من التابعين ولا من بعدهم من العلماء أنهم قالوا ذلك، ولو كان الروم من يأجوج ومأجوج لبين ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكان ذلك مشتهرًا عند الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء المسلمين، وحيث أنه لم يؤثر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في الروم إنهم من يأجوج ومأجوج، ولم يؤثر ذلك عن أحد من الصحابة ولا من بعدهم من العلماء، فإنه يلزم على قول ابن محمود أحد أمرين؛ إما أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد خفي عليه أن الروم من يأجوج ومأجوج، وخفي ذلك على الصحابة ومن بعدهم من العلماء، أو أنهم قد علموا ذلك وكتموه، وما لزم عليه أحد هذين الأمرين فهو قول سوء، لا يقوله من له أدنى مسكة من عقل.

الوجه الرابع: أن يقال: إن الروم لم يبتدءوا المسلمين بالخروج إليهم، ولم يظهروا على المسلمين لا في غزوة مؤتة ولا فيما بعدها من الغزوات، وإنما كان الابتداء من المسلمين، وكان لهم الظهور على الروم حتى أجلوهم من الشام إلى القسطنطينية، ثم غزوهم بعد ذلك في القسطنطينية عدة مرات؛ أولها في زمان معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- إلى أن أخذوها منهم في زمان محمد الفاتح وأجلوهم إلى أوروبا، ولو كان الأمر على ما توهمه ابن محمود، حيث زعم أن الروم من يأجوج ومأجوج، لكانوا قد أهلكوا المسلمين وغير المسلمين من حين خروجهم، كما هو مقتضى النصوص الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

الوجه الخامس: أن يقال: إن يأجوج ومأجوج قد حيل بينهم وببين الناس بسد من حديد يمنعهم من الظهور والاختلاط بالناس، ولا يندك هذا السد إلا عند اقتراب الساعة، كما هو منصوص عليه في القرآن، وقد جاء في حديث النواس بن سمعان وغيره من الأحاديث التي تقدم ذكرها أن خروج يأجوج ومأجوج إنما يكون بعد نزول عيسى ابن مريم وقتل الدجال، فمن قال بخلاف هذا فقوله باطل مردود.

<<  <   >  >>