المهدي فلا شك أنه قد كذب بما لم يحط بعلمه ولم يأته تأويله، وتكذيب خبر الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى ليس بالأمر الهين، ومن أنكر خروج المهدي ولم يبال برد الأحاديث الثابتة فيه فغير مستبعد منه أن ينكر بقية الأشراط، ولا يبالي برد ما جاء فيها من الأحاديث الصحيحة، نعوذ بالله من عمى البصيرة ومن الخذلان، وقد روى الترمذي وحسنه، عن أم سلمة -رضي الله عنها- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:«إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله، فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ».
وأما قوله: لعلمهم أنها أخبار آخرة متأخرة.
فجوابه من وجهين؛ أحدهما: أن يقال: إن الأحاديث الواردة في المهدي، والدجال، ويأجوج ومأجوج، وغير ذلك من أشراط الساعة وعلاماتها، كلها من أخبار الدنيا، وليست من أخبار الآخرة، كما قد توهم ذلك ابن محمود.
الوجه الثاني: أن يقال: إن علماء السنة المتقدمين لم يكونوا يتساهلون في نقد الأحاديث الواردة في أشراط الساعة، ولا في نقد الأحاديث الواردة فيما يكون بعد قيام الساعة، بل كانوا ينقدون الكل، كما كانوا ينقدون أحاديث الأحكام والحلال والحرام، فيقبلون من ذلك ما كان صحيحًا أو حسنًا، ويستشهدون بالأحاديث الضعيفة المنجبرة، ويردون ما سوى ذلك من الأحاديث الواهية والمنكرة والموضوعة، ومن كان له أدنى معرفة بالحديث لم يخف عليه ذلك، ومن خفي عليه ذلك فلا يجوز له أن يتكلف ما لا علم له به، ولا أن يقول على علماء السنة المتقدمين بما لم يقولوه، ولا أن يرميهم بما ليس فيهم من التغفيل والتساهل.
وقال ابن محمود في صفحة (٢٣) وصفحة (٢٤): "وإنه لولا حادث الحرم الشريف بمكة لما تكلفت تأليف هذه الرسالة، لاعتقادي أن المهدي وما يقال فيه ليس من عقيدة أهل السنة، فلم أعطه حظًا من الاحتفال به، وإنه وما يقال فيه وعنه ما هو إلا حديث خرافة يتلقفها واحد عن آخر، ويزيد كل واحد فيها ما يريد".
والجواب: أن يقال: إن تأليف ابن محمود لرسالته في إنكار خروج المهدي من أعظم الضرر عليه؛ لأنه قد حارب الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المهدي، ونبذها وراء ظهره، وزعم أنها مختلقة ومصنوعة وموضوعة ومزورة على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليست من كلامه، وأنها أحاديث خرافة، وأنها نظرية خرافية، وأنها بمثابة حديث ألف ليلة وليلة، وهذا من أقبح الرد لأقوال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخباره الثابتة .............................................