بالتلبيس والتشكيك والأساليب المنحرفة، فذلك من أفعال أهل الأهواء والعقائد الفاسدة.
الوجه الثاني: أن يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يخبر أمته بما يتحاشى عنه من الأمور التي لا فائدة في ذكرها، وإنما أخبرهم بخروج رجل من أهل بيه يعمل بالسنة، ويملأ الأرض قسطًا وعدلا، ويزيل الجور والظلم، ويكون خروجه في آخر الزمان نعمة على هذه الأمة، وهذا مما لا يتحاشى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإخبار به؛ لما في ذلك من البشارة للمؤمنين.
وقال ابن محمود في صفحة (٤٤): "الحديث الرابع: روى أبو داود في سننه، عن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:«المهدي من عترتي ومن فاطمة». ثم أجاب ابن محمود بقوله: إن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وأم سلمة، وأبا سعيد الخدري، وابن مسعود، وسائر الصحابة كلهم -إن شاء الله- منزهون عن الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنما حدث وضع هذه الأحاديث وصياغتها من الغلاة الزنادقة، وقد تعقب صاحب تهذيب السنن على حديث أم سلمة هذا وأعله بالبطلان، قال أبو جعفر العقيلي: "إن هذا الحديث يروى عن أبي نفيل العقيلي، وإنه من قول نفيل، ولا يتابع عليه، ولا نعرفه إلا منه"، وذكر البخاري أن في سنده زياد بن بيان وقد وهم في رفعه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهذا الحديث مما قلنا إنه صريح في ذكر المهدي لكنه ليس بصحيح، لا في سنده ولا متنه، ولم يحفظ عن رسول الله اسم العترة، وهم أقارب الشخص، ولا اسم المهدي".
والجواب أن يقال: إن ابن محمود قد غير في لفظ الحديث؛ حيث قال:«ومن فاطمة»، وصوابه «من ولد فاطمة».
وأما قوله: وإنما حدث وضع هذه الأحاديث وصياغتها من الغلاة الزنادقة.
فجوابه: أن يقال: أما الأحاديث الثابتة في المهدي عن علي، وابن مسعود، وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري، وأم سلمة، وجابر -رضي الله عنهم- فهذه لا سبيل للغلاة الزنادقة إليها؛ لأن رواتها كلهم ثقات من لدن الصحابة -رضي الله عنهم- إلى الأئمة المخرجين لها في كتبهم، وقد ذكرتها في أول الكتاب فلتراجع (١). ففيها أبلغ رد على مزاعم ابن محمود ومجازفاته التي قالها من غير تثبت، وإني أتحدى ابن محمود أن يبرر ...........