وأحكموا أسانيدها، وأذاعوها من طرق مختلفة، فصدقها الجمهور الطيب لبساطته، وسكت رجال الشيعة لأنها في مصلحتهم، وسكت الأمويون لأنهم قلدوها في سفيانيهم، وسكت العباسيون لأنهم حولوها إلى منفعتهم، وهكذا كانت مؤامرة شنيعة أفسدوا بها عقول الناس". انتهى.
وأما سعد محمد حسن فقد زعم في صفحة ٤٤ من كتابه "المهدي في الإسلام" أن عقيدة المهدي حِيكَت في المجتمع الإسلامي، وأن حَاكَتَهَا هم الشيعة على يد ابن السوداء اليهودي المتمسلم الغالي في تشيعه الموهوم، وزعم أيضًا في صفحة (٦٩) أن الشيعة اختلقت الأحاديث الكثيرة، ووضعتها مؤيدة لوجهة نظرها، ورفعت إلى النبي لتصبغ هذا المعتقد بصبغة إسلامية رسمية؛ من ذلك قولهم: "لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله رجلا من أهل بيتي يملؤها عدلا كما ملئت جورًا"، وقال أيضًا في صفحة ١٧٤: "ونحن لا نشك في أن عقيدة العامة من أهل السنة، بل وكثير من الخاصة إنما هي أثر شيعي تسرب إليهم فعملت فيه العقلية السنية بالصقل والتهذيب". انتهى.
وإذا علم هذا فقد قال ابن محمود في صفحة (٥) ما نصه: "وأكثر الناس مقلدة يقلد بعضهم بعضًا، وقليل منهم المحققون". انتهى، ولا شك أن قوله هذا يعود عليه كما سيأتي بيانه -إن شاء الله تعالى.
الوجه الثاني: أن يقال: في هذا الكلام من فساد التصور ما لا يخفي على عاقل؛ وذلك أنه ذكر أن أصل من تبنى الفكرة والعقيدة في المهدي هم الشيعة، الذين من عقائدهم الإيمان بالإمام الغائب المنتظر وهو محمد بن الحسن العسكري، وأن هذه الفكرة سرت إلى أهل السنة فدخلت في معتقدهم بطريق المجالسة والاختلاط، ثم انتقلت إلى المجتمع الإسلامي حين نادى بها في الناس عبد الله بن سبأ، إلى آخر كلامه. وهذا كلام غير معقول؛ لأن محمد بن الحسن العسكري الذي زعمت الرافضة الإمامية أنه الإمام المنتظر قد ولد في سنة خمس وخمسين ومائتين، ذكر ذلك ابن خلكان في تاريخه، وهذا على القول بوجوده، والصحيح أنه لا وجود له، وأما عبد الله بن سبأ وهو الذي يقال له ابن السوداء، فإنه كان يهوديًا من أهل صنعاء، وأظهر الإسلام في زمان عثمان -رضي الله عنه-، وهو أول من ابتدع الرفض، وكان منافقًا زنديقًا، أراد إفساد دين الإسلام كما فعل بولص بدين النصرانية، وقد سعى في الفتنة وحصل بسببه تحريش وفتنة قُتل فيها عثمان -رضي الله عنه-.