الفكرة وهذا الاعتقاد بطريق المجالسة والمؤانسة والاختلاط إلى أهل السنة، فدخلت في معتقدهم وهي ليست من أصل عقيدتهم، ثم انتقلت بصورة عامة إلى المجتمع الإسلامي، حين نادى بها في الناس عبد الله بن سبأ؛ المعروف بصريح الإلحاد والعداء للإسلام والمسلمين، فأخذ هو وشيعته يعملون عملهم في صياغة الأحاديث ووضعها على لسان رسول الله بأسانيد منظمة عن أهل القبور، وأخذوا في نشرها في مجتمع الناس، حتى لا يفقدوا الأمل الذي يرجونه بزعمهم في إرجاع الحكم إلى أهل البيت، ليزيلوا عنهم الظلم والاضطهاد الواقع بهم من قبل خصومهم بني أمية، فهي دعوة سياسية إرهابية، كما أن بني أمية لما سمعوا بهذه الأحاديث الموجهة لهم من العراق والتي ترجف بهم وتهددهم بالإيقاع، لهذا تنبه بنو أمية فأقاموا السفياني مقام المهدي، وعمل أنصارهم عملهم في وضع الحديث عن رسول الله في السفياني؛ من ذلك ما روى الحاكم في صحيحه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يخرج رجل يقال له السفياني من دمشق، وعامة من يتبعه من كلب، فيقتل حتى يبقر بطون النساء ويقتل الصبيان» وذكر بقية الحديث، ثم قال الحاكم:"هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه"، ثم ساق حديثًا ثانيًا في السفياني بلفظ الحديث الأول ومعناه، فتصحيح الحاكم لأحاديث السفياني هي بمثابة تصحيحه وتصحيح الترمذي لأحاديث المهدي على حد سواء، وفي الحقيقة أنها كلها غير صحيحة ولا متواترة".
والجواب عن هذا من وجهين؛ أحدهما: أن يقال ما قرره ابن محمود من أن أصل من تبني هذه الفكرة والعقيدة هم الشيعة إلى آخر كلامه، فهو مما أخذه من كلام رشيد رضا وأحمد أمين وسعد محمد حسن، فأما رشيد رضا فقد زعم أن الشيعة كانوا يسعون لجعل الخلافة في آل الرسول - صلى الله عليه وسلم - من ذرية علي، ويضعون الأحاديث تمهيدًا لذلك.
وأما أحمد أمين فقد قال في صفحة ٢٤١ من الجزء الثالث من كتابه "ضحى الإسلام": "وفكرة المهدي لها أسباب سياسية واجتماعية ودينية، ففي نظري أنها نبع من الشيعة وكانوا هم البادئين باختراعها، وذلك بعد خروج الخلافة من أيديهم، وانتقالها إلى معاوية وقتل علي وتسليم الحسن الأمر لمعاوية"، إلى أن قال في صفحة ٢٤٣: "واستغل هؤلاء المهرة أفكار الجمهور الساذجة المتحمسة للدين والدعوة الإسلامية، فأتوهم من هذه الناحية الطيبة الطاهرة، ووضعوا الأحاديث يروونها عن رسول الله في ذلك،