للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد كان علماء الجرح والتعديل إذا طعنوا في شيء من الأحاديث، وحكموا عليها بالوضع، يذكرون المتهمين بوضعها ممن يكون في أسانيد تلك الأحاديث من الوضاعين والكذابين، فأما الأحاديث التي يكون في أسانيدها بعض الضعفاء فقد كانوا يحكمون عليها بالضعف، ولا يتجاوزون ذلك إلى الحكم بالوضع، لاحتمال أن تكون من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأما الأحاديث التي قد رواها الثقات عن الثقات عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد كانوا يعظمونها ويعتمدون عليها في أصول الدين وفروعه، وقد تقدم كلام الإمامين الشافعي وأحمد في ذلك، وكذلك كلام ابن شاقلا، وأبي الحسن الأشعري، وأبي محمد المقدسي في ذلك فليراجع (١).

وقد خلف من بعد العلماء العالمين بالأحاديث خلف من العصريين المفتونين بأفكار الغربيين، فهجموا على الأحاديث الصحيحة، والأحاديث الحسنة، وتجرءوا على الكلام فيها وفي رواتها، ولم يبالوا بردها وإطراحها، ولا سيما إذا خالفت أفكارهم أو أفكار من يعظمونه من الغربيين وتلاميذهم المفتونين بما يسمونه حرية الفكر، وتقديم الأفكار على الأحاديث الصحيحة والأحاديث الحسنة. وقد جعلوا عبد الله بن سلام -رضي الله عنه- وكعب الأحبار ووهب بن منبه هدفًا لطعنهم في الأحاديث الصحيحة وردها، ولو لم يكونوا من رواة تلك الأحاديث. وقد زعم بعضهم ظلمًا وزورًا أن هؤلاء الثلاثة كانوا يضعون الأحاديث ويدسونها على المسلمين.

وأما ابن محمود فقد جعل هدفه عبد الله بن سبأ وشيعته، فزعم أنهم هم الذين صاغوا الأحاديث الواردة في المهدي ووضعوها على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فطريقة ابن محمود في رد الأحاديث الثابتة في المهدي، هي نفس الطريقة التي كان يسلكها غيره من العصريين في رد الأحاديث الثابتة إذا كانت مخالفة لأفكارهم أو أفكار من يعظمونه.

الوجه الثالث: أن يقال: إن ابن سبأ كان في زمن الصحابة الذين رووا أحاديث المهدي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي ذلك الزمان لم يكن لتلك الأحاديث أسانيد، وإنما وجدت أسانيدها بعد زمانهم وزمان ابن سبأ، فهل يعقل والحالة هذه أن يكون ابن سبأ هو الذي صاغ أحاديث المهدي ووضعها على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأسانيد لم توجد إلا بعد زمانه؟! وهل يظن ابن محمود أن ابن سبأ قد بقي إلى ما بعد المائتين من الهجرة حتى يصوغ أحاديث المهدي بالأسانيد التي عند أحمد وأبي داود والترمذي وابن ماجة، وغيرهم ممن روى أحاديث المهدي؟! وقد قال


(١) ص ١٩ - ٢٠.

<<  <   >  >>