قلت: وقد صرح أن الأوزاعي حدثه بهذا الحديث، فزال ما يخشى من تدليسه، وأما زكريا بن يحيى الساجي؛ فقال فيه ابن أبي حاتم:"كان ثقة، يعرف الحديث والفقه، وله مؤلفات حسان في الرجال واختلاف العلماء وأحكام القرآن"، وقال الذهبي في "الميزان": "أحد الأثبات، ما علمت فيه جرحًا أصلا"، وقال أبو الحسن القطان:"مختلف فيه في الحديث، وثَّقه قوم، وضعَّفه آخرون". انتهى، قال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان": "ولا يغتر أحد بقول ابن القطان، فقد جازف بهذه المقالة، وما ضعَّف زكريا الساجي هذا أحد قط كما أشار إليه، ثم ذكر قول ابن أبي حاتم فيه، قال: وقال مسلمة بن القاسم: بصري ثقة". انتهى.
وأما أبو محمد أحمد بن عبد الله المزني؛ فقد ذكر السبكي في "طبقات الشافعية" عن الحاكم أنه قال: "كان إمام أهل العلم والوجوه وأولياء السلطان بخراسان في عصره بلا مدافعة"، قال: وقال أبو النصر عبد الرحمن بن عبد الجبار النامي في "تاريخ هراة": "كان إمام عصره بلا مدافعة في أنواع العلوم، مع رتبة الوزارة وعلو القدر عند السلطان"، وقال أبو سعد السمعاني:"إنه الذي يقال له الشيخ الجليل ببخاري". انتهى.
وإذا علم إن رجال هذا الحديث كلهم ثقات وليس فيهم ضعيف، فضلاً عن الكذابين والوضاعين فليعلم أيضًا أنه ليس فيهم أحد من أنصار بني أمية، أما الوليد بن مسلم ومن كان بعده في الإسناد فكلهم كانوا في زمان بني العباس، فلا يقول عاقل إنهم من أنصار بني أمية وقد كانوا بعد زمانهم، وأما أبو هريرة -رضي الله عنه- وأبو سلمة بن عبد الرحمن فهما مدنيان وليسا من أنصار بني أمية، وأما يحيى بن أبي كثير فهو من أهل اليمامة وليس من أنصار بني أمية، وقد رُوي أنه امتحن وضرب وحلق لكونه انتقص بني أمية. ذكر ذلك الذهبي في "تذكرة الحفاظ"، وأما الأوزاعي فقد كان في آخر زمان بني أمية وأول زمان بني العباس ولم يكن من أنصار بني أمية، وإذا فليبين ابن محمود أنصار بني أمية الذين وضعوا هذا الحديث على حد زعمه، وليذكر الكتاب الذي وجد فيه ذلك. فأما المجازفة بالقول الذي لا صحة له فهذا مما يتنزه عنه كل ذي عقل ودين.
وأما قول ابن محمود: إن الحاكم ساق حديثًا ثانيًا في السفياني بلفظ الحديث الأول ومعناه.