من التمويه والمجازفة؛ حيث نسب إلى علماء الأمصار على وجه العموم أنهم قاموا بجد ونشاط إلى التحذير من اعتقاد ظهور المهدي وصحة خروجه، مع أن ذلك لا يعرف إلا عن أفراد قليلين من العصريين؛ ومنهم رشيد رضا، ومحمد فريد وجدي، وأحمد أمين. فهؤلاء الثلاثة هم الذين تولوا كبر الطعن في الأحاديث الثابتة في المهدي، والمعارضة لها بالشُبه والشكوك، وقد قلدهم ابن محمود في ذلك، وتلقي أقوالهم الباطلة بالقبول والتسليم، واعتمد عليها في معارضة الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد ذكر ذلك في عدة مواضع من رسالته. وهؤلاء الثلاثة من العصريين ليسوا علماء الأمصار، ولا يمثلون علماء الأمصار، وإنما علماء الأمصار على الحقيقة الذين يتمسكون بما جاء عن الله -تعالى- وعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويتلقون الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقبول والتسليم، ولا يعارضون شيئًا منها بالشُبه والشكوك، كما فعل أولئك الثلاثة الذين ذكرناهم ومن يقلدهم ويتلقى أقوالهم الباطلة بالقبول والتسليم.
الوجه الثاني: أن يقال: كل من قام برد الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنما هو في الحقيقة يرد على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويخالف قوله، وهذا من أعظم الغش للرسول - صلى الله عليه وسلم - ولأئمة المسلمين وعامتهم، ومن زعم أن ذلك من النصح فقد قلب الحقيقة وجادل بالباطل، ومن هذا الضرب من قام من أهل الأمصار بإنكار خروج المهدي في آخر الزمان ومعارضة ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه، ولا شك أن هؤلاء متعرضون لحمل أوزار الذين يتبعونهم ويأخذون بأقوالهم الباطلة، قال الله -تعالى-: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ}، وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:«ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئًا». رواه الإمام أحمد ومسلم وأهل السنن، وقال الترمذي:"حسن صحيح"، وقد قام بإزاء هؤلاء غير واحد من علماء الأمصار، فردوا عليهم وعلى ابن خلدون، حيث توسع في تضعيف أحاديث المهدي، حتى ضعَّف بعض الصحاح والحسان منها، وقد نقلت بعض كلامهم في أول هذا الكتاب وفي أثنائه فليراجع (١).
الوجه الثالث: أن يقال: إن العلماء الذين صدعوا بصحة اعتقاد خروج .............