أبي سعيد -رضي الله عنه-، وجاء في حديث جابر -رضي الله عنه- أن المهدي يقول لعيسى ابن مريم إذا نزل: تعال صل بنا. وقد ذكرت هذا الحديث وحديث أبي سعيد -رضي الله عنه- في أول الكتاب فليرجع إليهما (١). ففيهما أبلغ رد على قول ابن محمود: إنه لا مانع من جعل الرجل الذي يملأ الأرض عدلا من جملة المسلمين الذين مضوا وانقضوا.
وأما قوله: على أن وجود رجل يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورًا يحتمل أن يكون من المحال.
فجوابه: أن يقال: إنما يقول بهذا الاحتمال الباطل من يشك في عموم قدرة الله -تعالى- ونفوذ مشيئته، فأما من علم أن الله على كل شيء قدير، وأنه ما شاء الله كان، لا راد لما أراده، ولا معقب لحكمه، فإنه لا يتوقف في رد هذا الاحتمال الباطل وإنكاره غاية الإنكار، ومن الذي يحول بين الرب -تبارك وتعالى- وبين إخراج رجل من أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يملأ الأرض قسطًا وعدلا كما ملئت جورًا وظلمًا.
وقد روى الإمام أحمد، والشيخان، والترمذي، وابن ماجة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلا»، وفي رواية لأحمد ومسلم:«حكمًا عادلا»، وفي رواية لأحمد:«إمامًا مهديًا وحكمًا عدلا»، وفي رواية له:«إماما عادلا وحكمًا مقسطًا»، وفي رواية له:«ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام». وهذه الروايات عند أحمد أسانيدها صحيحة، فهل يقول ابن محمود إن ما ذكر في هذه الروايات يحتمل أن يكون من المحال، أم يفرق بين ما جاء في عيسى ابن مريم وبين ما جاء في المهدي بفرق صحيح مقبول عند أهل العلم؟ ولن يجد إلى الفرق الصحيح سبيلا. فأما المجازفة والمكابرة والتعسف في رد الأحاديث الثابتة بالاحتمالات الباطلة، فهذا مما يتنزه عنه من له أدنى عقل ودين.
ولا يخفى ما في كلام ابن محمود من التناقض؛ حيث زعم أنه لا مانع من جعل الرجل الذي يملأ الأرض عدلا من جملة المسلمين الذين مضوا وانقضوا، ثم نقض ذلك بقوله: على أن وجود رجل يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورًا يحتمل أن يكون من المحال. وهذا التناقض مما حصل لابن محمود بعد توسعه ................................................