فإنه ذكر أقوالهم الثلاثة في المهدي في صفحة (١٤٨) وما بعدها إلى أول صفحة (١٥٢)، ورجح القول الثالث من أقوالهم في صفحة (١٥١)، وذكر أن أكثر الأحاديث تدل عليه، وهذا نَصُّ كلامه، قال:"القول الثالث: أنه رجل من أهل بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - من ولد الحسن بن علي، يخرج في آخر الزمان وقد امتلأت الأرض جورًا وظلمًا فيملؤها قسطًا وعدلا، وأكثر الأحاديث على هذا تدل". انتهى، ثم ذكر السر في كون المهدي من ولد الحسن -رضي الله عنه-، فكلام ابن القيم -رحمه الله تعالى- صريح في موافقة أهل السنة على القول بخروج المهدي في آخر الزمان، ومن طالع ما ذكره في كتابه "المنار المنيف" من أول صفحة (١٤٢) إلى أثناء صفحة (١٥٢) من النسخة التي حققها عبد الفتاح أبو غدة، علم يقينًا أن كلام ابن القيم -رحمه الله تعالى- يخالف ما ذهب إليه ابن محمود من إنكار خروج المهدي في آخر الزمان، وعلم يقينًا أن ابن القيم إنما أنحى بالملام وتوجيه المذام على أهل البدع الذين ادعوا المهدية كذبًا وزورًا، وعلم يقينًا ما في كلام ابن محمود من التمويه والتلبيس على ضعفة العقول والأفهام، وقد أمر الله -تعالى- بالتقوى والصدق، ونهى عن لبس الحق بالباطل وعن كتمان الحق، فقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}، وقال -تعالى-: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}.
وزعم ابن محمود في صفحة (٥٦) أن الجهل أدى إلى وضع خمسين حديثًا في المهدي عند أهل السنة، وأن مثل هذه الأحاديث هي التي أفسدت العقول، وجعلتهم يتبعون الملاحدة والمفسدين من دعاة المهدية.
والجواب: أن يقال: بل الجهل كل الجهل في معارضة الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المهدي وإطراحها والاستخفاف بشأنها، كما قد فعل ذلك بعض العصريين ومن قلدهم وسار على نهجهم الباطل، وأما الأحاديث الواردة في المهدي فليست كلها موضوعة كما قد زعم ذلك ابن محمود ومن كان على شاكلته، بل فيها الصحيح والحسن والضعيف المنجبر، وقد ذكرت أقوال العلماء فيها في أول الكتاب، فليراجع ذلك (١)، ففيه أبلغ رد على ابن محمود.
وأما زعمه أن الأحاديث الواردة في المهدي هي التي أفسدت العقول.
فجوابه: أن يقال: بل الذي أفسد العقول عند بعض الناس هو مخالفتهم للأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، واستخفافهم بها، وتمسكهم بأقوال المنحرفين عن .....................