للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كذا قال وكذا جازف في إطلاق هذه الكلمات النابية في معارضة الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أما يخشى من الفتنة أو العذاب الأليم على مخالفته لأقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - واستخفافه بها، وعدم مبالاته بردها وإطراحها، وزعمه أن ما جاء فيها عن المهدي المنتظر فهو من الخيال والمحالات والأوهام والخرافات؟ أما يخشى ابن محمود أن يسلب الإيمان؟ فقد قال الله -تعالى-: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا *}، وقال -تعالى-: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، أما يخشى أن يعاقب بتقليب القلب وزيغه؟ فقد قال الله -تعالى-: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}، وقال -تعالى-: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ}، أما يخشى أن يكون ممن قال الله فيهم: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}؟ وقد قال الشاعر وأحسن فيما قال:

يقضي على المرء في أيام محنته ... حتى يرى حسنًا ما ليس بالحسن

الوجه الثاني: أن يقال: إذا ترك الناس العمل بالسنة وملئت الأرض ظلمًا وعدوانًا، فإن الحاجة ماسة إلى إماما عادل يعمل بالسنة، ويبسط القسط والعدل، ويزيل الجور والظلم، وهكذا تكون الحاجة إلى خروج المهدي في آخر الزمان، ومن زعم أنه لا حاجة للمسلمين بالإمام العادل الذي يعمل بالسنة، ويبسط القسط والعدل، ويزيل الجور والظلم، فلا شك أنه لا يدري ما يقول.

الوجه الثالث: أن يقال: إن الإيمان بخروج المهدي في آخر الزمان لا يستلزم الهروب عن الواقع وترك الواجب كما قد توهم ذلك ابن محمود، فأهل السنة والجماعة يؤمنون بما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المهدي، وهم مع ذلك لم يهربوا عن واقعهم ولم يتركوا واجبهم، ويؤمنون بجميع أشراط الساعة، وبكل ما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أنباء الغيب، مما مضى وما سيأتي قبل قيام الساعة وبعد قيامها، وهم مع ذلك لم يهربوا عن الواقع ولم يتركوا الواجب، وإنما الذي يهرب عن الواقع ويترك الواجب على الحقيقة هو الذي يرد الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ويصفها بالصفات الذميمة، فيزعم أنها خيال ومحالات وأوهام وخرافات، وأن الإيمان بها من التحجر الفكري والجمود الاجتماعي.

<<  <   >  >>