للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بأنفسهم على بنيان السد ... إلى أن قال على قوله -تعالى-: {حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ}: أي الجبلين الذين بني بينهما السد، {قَالَ انْفُخُوا} النار أي أوقدوها إيقادًا عظيمًا، واستعملوا لها المنافيخ لتشتد فتذيب النحاس، فلما ذاب النحاس الذي يريد أن يلصقه بين زبر الحديد {قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا} أي نحاسًا مذابًا، فأفرغ عليه القطر فاستحكم السد استحكامًا هائلا، وامتنع به من وراءه من الناس من ضرر يأجوج ومأجوج، {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} أي فمالهم استطاعة ولا قدرة على الصعود عليه لارتفاعه ولا على نقبه لإحكامه وقوته، وقوله: {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي} أي لخروج يأجوج ومأجوج، {جَعَلَهُ} أي ذلك السد المحكم المتقن، {دَكَّاءَ} أي دكه فانهدم واستوى هو والأرض، {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} يحتمل أن الضمير يعود إلى يأجوج ومأجوج، وأنهم إذا خرجوا على الناس من كثرتهم واستيعابهم للأرض كلها يموج بعضهم ببعض، كما قال -تعالى-: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ}، ويحتمل أن الضمير يعود إلى الخلائق يوم القيامة، وأنهم يجتمعون فيه فيكثرون، ويموج بعضهم ببعض من الأهوال والزلازل العظام، بدليل قوله: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا * وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا} ".

قلت والاحتمال الأول أقرب؛ لأن الله -تعالى- عقَّب قوله {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} بقوله: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ}، فدل هذا على أن موج بعضهم في بعض يكون قبل النفخ في الصور، وهذا هو الذي قرره ابن كثير في تفسيره، وذكره عن السدي، والله أعلم.

وفيما نقلته من كلام ابن سعدي في تفسيره أبلغ رد على ابن محمود، حيث تعلق بالرسالة التي قد قرر ابن سعدي في الجزء الخامس من تفسيره خلاف ما قرره فيها، وهذا الجزء مطبوع في سنة ١٣٧٥ من الهجرة في المطبعة السلفية بمصر، وقد أرسل لي المؤلف نسخة منه من حين طبعه وكتب الإهداء إليَّ بخطه، وكان هذا بعد إخراجه للرسالة التي غلط فيها في أمر يأجوج ومأجوج بنحو من سبع عشرة سنة، وقد أنكر كبار العلماء في البلاد النجدية ما قرره في رسالته في أمر يأجوج ومأجوج غاية الإنكار، واستدعاه الملك عبد العزيز إلى الرياض بسببها وتهدده وتوعده، وبعد ذلك لم نسمع عنه أنه تكلم في يأجوج ....

<<  <   >  >>