دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا * قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا} إلى آخر الآيات، فمن فهم معنى هذه الآيات وما ذكره أصناف المفسرين فيها، علم قطعا أنهم كما ذكر الله في شكاية هؤلاء القوم الذين كثر إفسادهم لذي القرنين، بالقتل والنهب والتخريب وأنواع الفساد، فطلبوا منه أن يجعل بينهم وبينهم سدًا يمنعهم من الإفساد والنفوذ إليهم، فأجاب ذو القرنين طلبتهم طاعة لله وإحسانًا على هؤلاء المظلومين، فجعل بينهم وبينهم ردمًا، ومعلوم أنهم آدميون محسوسون، قد تناولوهم بأنواع الأذى، فلو كانوا جنسًا آخر كالجن ونحوهم ممن حجبوا عن الأبصار لم يمكنوا من الأذية لبني آدم إلى هذا الحد، ولم يطلب هؤلاء القوم من ذي القرنين ما لا قدرة له عليه، ولم يمنعهم من الأذية سد ولا ردم، وذلك أن هناك جبلان متقابلان متصلان بمشارق الأرض ومغاربها، وليس للناس في تلك الأزمان طريق إلا من تلك الفجوة التي بين السدين، حيث كان مسير الناس في ذلك الوقت على الإبل والبغال والحمير، فبني ذو القرنين سدًا محكمًا بين الجبلين فتم بنيانه للردم بين الناس وبين يأجوج ومأجوج، وبقي ما شاء الله أن يبقى، ثم بعد ذلك ظهروا على الناس من جميع النواحي والجبال والبحار، فتحركوا في وقت النبي - صلى الله عليه وسلم - في أول قتال وقع من المسلمين في وقعة مؤتة، وكان المسلمون أربعة آلاف وجيش النصارى مائة وعشرون ألفًا، فكشف للنبي - صلى الله عليه وسلم - عنهم يوم قتالهم، فقال وهو يخطب الناس:«أخذ الراية جعفر فأصيب، ثم أخذها زيد بن حارثة فأصيب، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب، ثم أخذها سيف من سيوف الله، وهو خالد بن الوليد، ففتح الله عليه» يخبرهم بذلك وهو يبكي، وهذا هو مبدأ تحركهم لقتال المسلمين والخروج عليهم، وهو معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: «ويل للعرب من شر قد اقترب، قد فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا»، قال ولم يزالوا في ازدياد وظهور على الناس حتى وصل الأمر إلى هذه الحالة المشاهدة، ولا بد أن يقع كل ما أخبر الله به ورسوله، ومنها أن الناس قد شاهدوا السد قد اندك، ورأوا يأجوج ومأجوج قد تجاوزوه، فإن السد كما ذكرنا هي الموانع الجبلية والمائية ونحوها، المانعة من وصولهم إلى الناس، فقد شاهدوهم من كل محل ينسلون، فالبحر الأبيض والأسود والمحيط من جميع جوانبه، وما اتصل بذلك .....................