للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما رواه الحاكم عن سعيد بن المسيب أنه قال: "إن يأجوج ومأجوج من ولد يافث بن نوح"، وروي البزار بإسناد ضعيف عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا مثله، ولا يلزم من كونهم من بني آدم أن يكونوا هم الأمم الذين يعرفهم الناس ويخالطونهم، كما قد توهم ذلك ابن سعدي ومن قلده، وإنما هم أناس غيرهم قد حيل بينهم وبين الناس بالسد الذي بناه ذو القرنين، فلا يعرفهم الناس ولا يخالطونهم، ولا يخرجون على الناس إلا في آخر الزمان بعد نزول عيسى ابن مريم وقتل الدجال، كما ثبتت بذلك الأحاديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكما يدل عليه قوله -تعالى- إخبارًا عن ذي القرنين أنه لما أتم بناء السد {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا}، قال الله -تعالى-: {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا}، ويدل عليه أيضًا قوله -تعالى-: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ}.

وأما قوله: وذلك أن هناك جبلان متقابلان متصلان بمشارق الأرض ومغاربها، وليس للناس في تلك الأزمان طريق إلا من تلك الفجوة التي بين السدين، حيث كان مسير الناس في ذلك الوقت على الإبل والبغال والحمير، فبني ذو القرنين سدًا محكمًا بين الجبلين، فتم بنيانه للردم بين الناس وبين يأجوج ومأجوج، وبقي ما شاء الله أن يبقى، ثم بعد ذلك ظهروا على الناس من جميع النواحي والجبال والبحار.

فجوابه من وجوه؛ أحدها: أن يقال: هذه الجملة قد غيرها ابن محمود عما هي عليه في رسالة ابن سعدي وزاد فيها ونقص ثم لم يبين ذلك، وهذا ينافي الأمانة في النقل، وهذا نص كلام ابن سعدي قال: "ومنها أن الحاجز الذي بناه ذو القرنين بينهم وبين الطائفة المجاورة لهم، الذين شكوا إفسادهم جزء يسير جدًا من السد الطبيعي، الذي جعله الله بينهم وبين الناس، فإن نص القرآن صريح على أن ذا القرنين وصل إلى ما بين السدين، وأن السدين موجودان قبل ذي القرنين، وهما الجبال والبحار التي عن يمين تلك الفجوة التي بناها والبحار والجبال التي عن يسارها، فتلك الجبال والبحار الواصلة لمشارق الأرض ومغاربها سدان محكمان بينهم وبين الناس في تلك الأزمان وما بعدها، وليس لهم طريق في ذلك الوقت إلا من تلك الفجوة التي بين السدين، فبناها ذو القرنين، فتم بنيانه الردم بينهم وبين الناس، وبقي ما شاء الله أن يبقى، ثم بعد ذلك ظهروا على الناس من جميع النواحي والجبال والبحار". انتهى.

<<  <   >  >>