للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أهلكوه، وفي هذا أبلغ رد على من زعم أنهم قد خرجوا وأن المسلمين قد قاتلوهم في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وأما قوله: ولم يزالوا في ازدياد وظهور على الناس حتى وصل الأمر إلى هذه الحال المشاهدة.

فجوابه: أن يقال: قد زاد ابن محمود في كلام ابن سعدي كلمة من عنده وهي قوله: "وظهور على الناس" ولم يبين ذلك، ويقال أيضًا لا صحة لشيء مما ذكر في هذه لجملة، وإنما هو خطأ مبني على التخرص واتباع الظن، وفيما ذكره الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - عن يأجوج ومأجوج وأن خروجهم إنما يكون عند دنو الساعة أبلغ رد على ما جاء في هذه الجملة.

وأما قوله: ولا بد أن يقع كل ما أخبر الله به ورسوله.

فجوابه: أن يقال: هذا مما لا يشك فيه مسلم، ولو أن ابن سعدي تمسك في رسالته بما أخبر الله به ورسوله - صلى الله عليه وسلم - عن يأجوج ومأجوج لا ستغنى عن التخرص واتباع الظن، ولظهر له أن خروج يأجوج ومأجوج إنما يكون في آخر الزمان بعد نزول عيسى -عليه الصلاة والسلام- وقتل الدجال، ولظهر له أنهم إذا خرجوا فإنهم يطئون البلاد، ولا يأتون على شيء إلا أهلكوه، ولم يكن لأحد طاقة بقتالهم.

وأما قوله: ومنها أن الناس قد شاهدوا السد قد اندك ورأوا يأجوج ومأجوج قد تجاوزوه.

فجوابه: أن يقال: لا صحة لشيء من هذا، وإنما هو من التخرص واتباع الظن، وقد قال الله -تعالى- مخبرًا عن ذي القرنين أنه لما أتم بناء السد {قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا}، وقال -تعالى-: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ}، وفي هذه الآيات دليل على أن اندكاك السد وخروج يأجوج ومأجوج إنما يكون عند دنو الساعة، وقد روي ابن جرير عن حذيفة -رضي الله عنه- أنه قال: «لو أن رجلا افتلى فلوًا بعد خروج يأجوج ومأجوج لم يركبه حتى تقوم الساعة»، وقد ذكرت هذا الأثر وما يشهد له من الحديث المرفوع قريبًا فليراجع (١).


(١) ص (٣٢٥).

<<  <   >  >>