للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يأجوج ومأجوج ليسوا في بلاد اليمن، وإنما هم في أقصى بلاد المشرق من ناحية الشمال، وقد أخبر الله -تعالى- أنه مكَّن لذي القرنين وآتاه من كل شيء سببًا، وأخبر أنه بلغ مغرب الشمس ومطلعها ثم أتبع سببًا حتى بلغ بين السدين وهما جبلان من قبل أرمينية وأذربيجان وهناك جعل الردم دون يأجوج ومأجوج، ففي هذا إيماء إلى أن موضع السد في أقصى المعمورة من ناحية المشرق، وهذه الناحية بعيدة غاية البعد عن بلاد اليمن.

وأما قوله: إن يأجوج ومأجوج هم التتر.

فجوابه: أن يقال: إن يأجوج ومأجوج غير التتر؛ لأن التتر ليس بينهم وبين غيرهم من الناس سد من حديد يمنعهم من الخروج والإفساد في الأرض، وقد خرج التتر على بلاد المسلمين في أثناء القرن السابع من الهجرة وما بعده فجاسوا خلال الديار وتبَّروا ما علوا تتبيرًا، ولو كان التتر هم يأجوج ومأجوج لكانوا قد شربوا المياه حين خرجوا على المسلمين وشرب أوائلهم بحيرة طبرية، ولكان الدجال قد خرج قبل خروجهم، ونزل عيسى ابن مريم -عليه الصلاة والسلام- فقتل الدجال، ولكانت القيامة قد قامت منذ سبعة قرون أو أكثر؛ لما في حديث حذيفة -رضي الله عنه- أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماذا يكون بعد خروج الدجال؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لو أنتجت فرسًا لم تركب فلوها حتى تقوم الساعة» وهو حديث صحيح، وقد تقدم إيراده وإيراد ما في معناه من الأحاديث قريبًا (١)، ولا شك في بطلان القول بأن التتر هم يأجوج ومأجوج، ومن قال بهذا القول الباطل فإنما يعتمد على التخرص واتباع الظن، وقد قال الله -تعالى-: {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}، وفي الحديث الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث» متفق عليه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.

وأما قوله: ثم إن لم يكن السد المذكور في القرآن هذا ولا ذاك ولم يكن فيما بقي مجهولا من الأرض فلم لا يجوز أن يكون قد اندك وذهب أثره من الوجود.

فجوابه: أن يقال: إن السد لا يندك إلا إذا دنا قيام الساعة؛ لقول الله -تعالى-: {حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ}؛ أي دنا قيام الساعة كما قال -تعالى- إخبارًا عن ذي القرنين، إنه لما أتم بناء السد ..............


(١) ص (٣١٤).

<<  <   >  >>