أحاديث المهدي وضعفها، وهذا من التقول على ابن القيم -رحمه الله تعالى-؛ لأنه قد صحح بعض أحاديث المهدي وحسن بعضها وقال بعد إيرادها:"وهذه الأحاديث أربعة أقسام؛ صحاح وحسان وغرائب وموضوعة"، ونقل قول الآبري في تواتر أحاديث المهدي وأقره على ذلك، فليراجع كلامه في "المنار المنيف"، فإنه على خلاف ما موَّه به ابن محمود.
ومن ذلك زعمه في صفحة (٣٥) أن الشاطبي في كتابه "الاعتصام" جعل المهديين من أهل البدع، قال:"ويعني بالمهديين الذين يصدقون بخروج المهدي"، وهذا من التقول على الشاطبي، وقد ذكرت كلام الشاطبي في أثناء الكتاب، فليراجع؛ ليعلم ما في كلام ابن محمود من تحريف الكلم عن مواضعه (١).
ومن ذلك زعمه في صفحة (٣٦) أنه كاد أن ينعقد الإجماع من العلماء المتأخرين من أهل الأمصار في تضعيف أحاديث المهدي، وكونها مصنوعة وموضوعة على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بدليل التعارض والتناقض والمخالفات والإشكالات.
وأقول: لا يخفى ما في هذا الكلام من المجازفة والبطلان؛ لأن القائلين بتضعيف أحاديث المهدي أفراد قليلون من العصريين، ومنهم رشيد رضا ومحمد فريد وجدي وأحمد أمين وأمثالهم من المعارضين للأحاديث الثابتة في المهدي، فهل يقول عاقل أن الإجماع يكاد ينعقد بأقوال هؤلاء الأفراد وأمثالهم، مع كونها أقوالا باطلة مخالفة للأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولما عليه جمهور العلماء قديمًا وحديثًا؟ كلا، لا يقول ذلك عاقل.
ومن ذلك زعمه في صفحة (٣٦) أن التصديق بالمهدي والدعوة إلى الإيمان به يترتب عليها فنون من المضار، والمفاسد الكبار، والفتن المتواصلة، مما ينزه الرسول عن الإتيان بمثلها.
وأقول: لا يخفى بطلان هذا القول على من له علم ومعرفة، وليس يترتب على التصديق بالمهدي شيء من المضار والمفاسد والفتن، وإنما تترتب المضار والمفاسد والفتن على معارضة الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وتكذيب أخباره الصادقة، وأما تنزيه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإخبار بالمهدي أو غيره من الأمور التي ستقع في آخر الزمان فهو من أغرب الأقوال وأشدها نكارة، وهو خلاف ما عليه المسلمون من ................................................