عن الكيفية شيئًا، وأكثر الناس مقلدة يقلد بعضهم بعضًا، وقليل منهم المحققون، فإن المحققين من العلماء المتقدمين والمتأخرين قد أخضعوا هذه الأحاديث للتصحيح والتمحيص والجرح والتعديل، فأدركوا فيها من الملاحظات ما يوجب عليهم ردها وعدم قبولها لأمور؛ منها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بُعث بدين كامل وشرع شامل، مبني على جلب المصالح وتكثيرها، ودفع المضار وتقليلها، ومن المعلوم أن اعتقاد المهدي والقول بصحة خروجه يترتب عليه من المضار والمفاسد الكبار، ومن إثارة الفتن وسفك دماء الأبرياء، ما يشهد بعظمته التاريخ المدروس والواقع المحسوس، من كل ما يبرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الإتيان به، إذ الدين كامل بدونه".
والجواب عن هذا من وجوه؛ أحدها: أن يقال: من أكبر الخطأ وأعظم الجراءة تَهجُّم ابن محمود على الأحاديث التي وردت في المهدي، ورواها الإمام أحمد، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة، والحاكم وغيرهم وزعمه أنها مختلقة.
والجواب عن هذه الكلمة البشعة أن نقول: "سبحانك هذا بهتان عظيم"، أما يكون عند الرجل ورع يحجزه عن الاستخفاف بالأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، أما يخشى أن يحشر في زمرة المكذبين للرسول - صلى الله عليه وسلم -.
الوجه الثاني: أن يقال: قد تقدم إيراد الأحاديث الثابتة في المهدي (١)، وذكر أسانيدها الجيدة ليكون طالب الحق على بصيرة من ثبوتها، وليعلم كل منصف أنه لا يردها ويتهاون بها إلا من هو جاهل أو مكابر.
الوجه الثالث: أن يقال: ليس في أحاديث المهدي شيء مسلسل، ومن زعم أنها مسلسلة فلا شك أنه لا يدري ما المسلسل، وقد قال البيقوني في تعريف المسلسل:
مسلسل قل ما على وصف أتى ... مثل أما والله أنبأني الفتى
كذاك قد حدثنيه قائمًا ... أو بعد أن حدثني تبسمًا
وقال ابن الصلاح في كتابه "معرفة علوم الحديث": "التسلسل من نعوت الأسانيد، وهو عبارة عن تتابع رجال الإسناد وتواردهم فيه واحدًا بعد واحد على صفة أو حالة واحدة". انتهى. والمسلسلات كثيرة ومن أشهرها المسلسل بالأولية؛ وهو أن يقول كل راو حدثني فلان وهو أول حديث سمعته منه، ومن المسلسلات أيضًا مسلسل الحنابلة؛