والجواب عن هذا من وجوه؛ أحدها: أن يقال: إن علماء السنة لم يغتروا بكثرة الأحاديث الواردة في المهدي كما قد توهم ذلك ابن محمود، وإنما اعتمدوا على ما ثبت من ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد قسم بعض علماء السنة أحاديث المهدي إلى صحيح وحسن وضعيف، وقد تقدم قول الشوكاني وصديق بن حسن في ذلك، وهذا يدل على أنهم لم يغتروا بكثرة الأحاديث الواردة في المهدي، وإنما كانوا يعتمدون على الصحاح والحسان منها، ويذكرون الضعيف المنجبر لاعتضاده بالأحاديث الصحيحة، ولو كان الأمر على ما زعمه ابن محمود من أن كثرة الأحاديث هي التي حملت علماء السنة على التصديق بها، لما قسمها أهل السنة إلى صحيح وحسن وضعيف، ولجعلوها صحاحًا من باب واحد.
الوجه الثاني: أن يقال: كل ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن أهل السنة يقبلونه قاعدة مسلمة وعقيدة محترمة، بخلاف أهل الزيغ؛ الذين لا يبالون برد الأحاديث الصحيحة وإطراحها.
الوجه الثالث: أن يقال: إن علماء السنة إنما سمعوا وأطاعوا لما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ امتثالا لقول الله -تعالى-: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ}، ولقوله -تعالى-: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}، وقوله -تعالى-: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، قال الإمام أحمد -رحمه الله تعالى-: "أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك، لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك، ثم جعل يتلو هذه الآية:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} "، فكل ما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فالواجب على المسلمين قبوله بدون تردد، وذلك من تحقيق الشهادة بالرسالة.
الوجه الرابع: أن يقال: قد أنطق الله ابن محمود بما يطابق الواقع من حيث لا يشعر، فإنه قال:"إن بعض علماء السنة وسائر العلماء من المتأخرين صدقوا بالأحاديث التي رواها أبو داود والترمذي وابن ماجة، وقبلوها قاعدة مسلمة وعقيدة محترمة، سامعين مطيعين لها، بدون تفكر ولا تدبر"، فعلى قوله هذا يكون الذين تفكروا وتدبروا في أحاديث المهدي، وقابلوا بعضها ببعض، وزعموا التعارض بينها والاختلاف، فردوها جملة بدون مبالاة- أنهم ليسوا أهل سنة، وإنما هم أهل بدعة وفتنة، وهؤلاء .............................................................